المفردات :
(حم عسق) تقرأ هكذا : حا ميم. عين سين قاف ، بإدغام النون في القاف ، وهي كأخواتها من الحروف التي بدأت بها السور إلا أن هنا جعلت حم آية ، وعسق آية ثانية ، والمعروف أن كل بدء السور آية واحدة مثل (كهيعص) أول سورة مريم ، و (المر) أول سورة الرعد فلسائل أن يقول : لما ذا هذا التفريق؟ والجواب أن ذلك مما استأثر الله بعلمه. وهو أعلم بكتابه (يَتَفَطَّرْنَ) : يتشققن (حَفِيظٌ) أى : حافظ ومحص عليهم أعمالهم.
المعنى :
حم. عسق. كما أوحى إليك هذه السورة العظيمة الشأن الشريفة المقصد يوحى إليك غيرها من القرآن ، ويوحى إلى الذين من قبلك الكتب القديمة (١) فالكل من الله ، ويهدف إلى دعوة الخلق إلى التوحيد والعدل وإثبات الرسالة عن الله ، وتقرير مبدأ المعاد والثواب والعقاب ، وإن شئت فاقرأ سورة الأعلى وختامها (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) تجدها تهدف إلى مبدأ التوحيد أولا ثم النبوة ثانيا ، ثم المعاد ثالثا ، ثم تختم بقوله : إن هذا لفي الصحف الأولى.
ومن الذي أوحى بهذه السورة وأخواتها في القرآن الكريم؟ إنه هو الله ـ جل جلاله ، وتباركت أسماؤه ـ العزيز في ملكه لا يغلبه غالب ، القادر على كل شيء الحكيم في كل صنع ، العالم بجميع المعلومات ، الغنى عن الحاجات ، سبحانه وتعالى لا إله إلا هو ، له الملك ، وإليه الأمر ، في هذا الكون كله ، سمائه وأرضه ، فقدرته كاملة نافذة في جميع أجزاء السموات على عظمتها وسعتها إيجادا وإعداما ، وتكوينا وإنشاء ، وهو العلى المتعالي عما يقوله الظالمون ، صاحب العظمة والأمر.
__________________
(١) الكاف في قوله : كذلك بمعنى مثل ، وهي مفعول مطلق لقوله : يوحى ، ولفظ (يوحى) فعل مضارع مستعمل في حقيقته بالنسبة لما سينزل من القرآن ، وفي مجازه بالنسبة لما أنزل من القرآن والكتب السابقة ، وفي العبارة تشبيه : المشبه هو ما سينزل من القرآن وما نزل سابقا منه ومن الكتب السابقة ، والمشبه به هو هذه الصورة ، ووجه الشبه أن الموحى به في كل يرجع إلى تقرير مبدأ التوحيد والنبوة والمعاد. وتقبيح أحوال الدنيا والترغيب في الآخرة.