ولمن صبر (١) ولم يقتص حينما اعتدى عليه ، وغفر فإن ذلك لمن عزائم الأمور وعظائمها التي لا يفعلها إلا أصحاب العزائم القوية ، فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس الشّديد بالصّرعة إنّما الشّديد الّذى يملك نفسه عند الغضب».
المعنى :
ومن يضلله الله لأن نفسه ميالة إلى الشر والبعد عن الحق بمحض اختيارها ، ومن كان كذلك فما له من ولى بعد الله يهديه إلى الحق وإلى الصواب ، وهؤلاء هم الذين أعرضوا عن دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الإيمان بالله والمودة في القربى ، وهم الظالمون.
وتراهم لما رأوا العذاب يوم القيامة ، وأنه حق لا شك فيه ، ندموا على ذلك وقالوا : هل من رجوع إلى الدنيا فنعمل عملا صالحا؟ لما رأوا العذاب آمنوا وتمنوا الرجوع إلى الدنيا ، ولكن هيهات ، وأنى لهم ذلك!
وتراهم يعرضون على النار وهم في قبورهم صباح مساء ، يعرضون عليها حالة كونهم خاشعين من الذل ، ينظرون إليها بعيون ضعيفة لأنهم ناكسو الرءوس ذليلون ، فهم ينظرون مسارقة فلا يستطيعون أن يمكنوا عيونهم منها ، وقال الذين آمنوا يوم القيامة : حقا إن الخاسرين هم الذين خسروا أنفسهم حيث حرموا من الجنة ، ودخلوا النار يصلونها نارا مسعرة ، وخسروا أهليهم وأحبابهم لأنهم إن كانوا في الجنة فقد حيل بينهم وإن كانوا في النار فلا فائدة فيهم ، ألا ذلك هو الخسران المبين! وأى خسارة فوق هذا؟ ألا إن الظالمين لأنفسهم في عذاب مقيم دائم إلى ما شاء الله ، وما كان لهم في هذه الحالة من أولياء ينصرونهم متجاوزين الله كما كانوا يفهمون هذا خطأ ، ولا غرابة في ذلك فمن يضلله الله فلا هادي له ، وما له من سبيل إلى الخير يسلكه!
__________________
١ ـ هذه اللام أفضل فيها أن تكون لام ابتداء لا قسم.