المعنى :
ألم تر إلى أولئك المشركين حين يسألون : من الذي خلق السموات والأرض؟ يقولون : خلقهن العزيز العليم ، يقولون هذا والحال أنهم جعلوا له جزءا من عباده! عجبا وأى عجب؟
جعلوا لله من عباده جزءا ـ أى : ولدا ـ ولعل تسمية الولد بالجزء لأنه قطعة من أبيه كما قال العربي «وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشى على الأرض». وإثبات الولد لله محال فإنه يستحيل على خالق السموات والأرض أن يكون له ولد إذ ليس له حاجة به فهو الغنى المتعالي عن الصاحبة والولد ، على أن الولد جزء من الوالد ، وما كان له جزء كان مركبا ، فالله إذن مركب ، والمركب بلا شك حادث إذ هو يقبل الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق ، وتلك كلها أمارة الحوادث فكيف يكون الإله القديم الأزلى الواحد في كل شيء له ولد؟! (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) إن الإنسان الذي يقول بهذا السخف الخالي من الحجة لكفور بين الكفر.
والفخر الرازي ـ رحمهالله ـ يرى أن الأولى في الآية أن يكون معناها : وجعلوا له من عباده جزءا والباقي للشركاء (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) [سورة الأنعام آية ١٣٦].
فهم قد زعموا أن كل العباد ليس لله ، بل بعضها لله وبعضها للشركاء ، والذي ساعده على هذا أن الآية التي بعدها لإنكار الولد وهذه لإنكار الشريك فتكون الآيات جامعة.
عجبا لهؤلاء يثبتون لله ولدا ثم بعد ذلك يقولون : إنه أنثى ، فلو فرض أن له ولدا فإنه يمتنع أن يكون أنثى لأن الابن أفضل من البنت فكيف يتخذ البنات ويعطى لعباده البنين (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) أى : جائرة ، كيف يجعلون لله البنات وهم إذا بشر أحدهم بالأنثى صار وجهه مسودّا من الحزن والغم ، وهو كظيم ، ويتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، ولا يدرى ماذا يفعل في بنته أيمسكها على هون وذل أم يدسها في التراب ألا ساء ما يحكمون .. عجبا لهم إذا كان