وانظر إلى أساس الاستدلال ، وهو أن تلك الأدوار والأحوال التي في الإنسان والسحاب ليست طبيعية وإنما مردها إلى مشيئة الله (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [سورة المائدة آية ١٧](فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) [سورة الروم آية ٤٨].
وهو العليم بأحوال الخلق المجازى عليها بالخير والشر ، القدير الذي يقدر على كل ذلك وها هو ذا يذكر بعض أحوال يوم القيامة فقال : ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون قائلين : إنهم ما لبثوا غير ساعة من الزمن ، وذلك أن الذي يوعد بالشر يستقل المدة المضروبة له ، على العكس : الموعود بالخير يستكثر المدة مهما قلت ، وهؤلاء الناس حينما عرفوا أنهم إلى النار صائرون ، وأنهم ضلوا السبيل بكفرهم حينما علموا هذا كله ساعة الموت استقلوا مدة لبثهم في القبر ، وقالوا : ما لبثنا غير ساعة (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [سورة النازعات آية ٤٦] مثل ذلك الصرف عن الحق والبعث كانوا يصرفون في الدنيا عن الحق والصدق.
أما الذين أوتوا العلم من كتاب الله وأوتوا الإيمان به قالوا : لقد لبثنا إلى يوم البعث مستكثرين هذا المكث لأنهم متطلعون إلى نعيم الجنة.
وقالوا : إن كنتم منكرين البعث أيها المشركون فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون.
فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم ، واعتذارهم عن أعمالهم ، فلا يقبل منهم مثل قولهم : (رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) [المؤمنون ٩٩ ، ١٠٠].
ولا هم يطلب منهم الإعتاب ، أى : إزالة العتب بالتوبة التي تزيل آثار الجريمة وكيف يقبل منهم عذر ، أو توبة؟! ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولم يحصل تقصير من جانب الرسل في تبليغ الدعوة إلى الله ، فإن طلب الناس شيئا بعد تلك المعجزات والشواهد ، وتوضيح الرسالة من الأنبياء فذلك عناد ، ومن هان عليه تكذيب دليل لا يصعب عليه تكذيب الدلائل كلها كفرا وعنادا ، لئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا : إن أنتم أيها المدعون للرسالة إلا مبطلون تتبعون السحر والباطل.
وليس هذا لسبب معقول ، ولكن الله طبع على قلوب الكفار وختم عليها بالخاتم فلا يدخلها نور لأنهم مردوا على التكذيب والعناد ، وملئت عقولهم بالخرافات والضلالات