المعنى :
قل يا محمد لهؤلاء المشركين ـ أيا كانوا ـ للذين يثبتون لله ولدا ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!! قل لهم : إن كان للرحمن ولد ، وصح هذا في شرعة الإنصاف وثبت بالدليل القاطع أن له ولدا ، إن صح هذا فأنا أول العابدين لذلك الولد المقدسين له لأنه ابن الإله ، وابنه جزء منه وله منزلته ، سبحانه وتعالى عما يصفونه به من كونه له ولد ، سبحان رب السموات والأرض رب العرش والكرسي ، سبحان الله واجب الوجود الحي الذي لا يموت ، صاحب هذا الملك والملكوت ورب السماء والأرض وما فيها ، سبحانه أنى يكون له ولد؟ فإن ربوبيته لهذا الكون سمائه وأرضه تدل على أنه ليس شيء فيهما جزءا منه سبحانه ، وإلا لما كان واجب الوجود لذاته ، وكان مركبا من أجزاء انفصل منها جزء كوّن ولدا ، وكان له حتما صاحبة ، والله ـ جل جلاله ـ منزه من كل ذلك ، وإلا لكان حادثا غير مخالف للحوادث.
وإذا كان الأمر كذلك فذرهم يا محمد واتركهم يخوضون في أباطيلهم التي هي كالبحر أو أشد ، ويلعبون في دنياهم حتى يلاقوا يومهم الموعود (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) (١) والمقصود بذلك تهديدهم ، يعنى قد ذكرت الحجة القاطعة على فساد من يقول بالولد لله ، وهم لم يلتفتوا إليها لأنهم غارقون في دنياهم طالبون للمال والجاه والسلطان ، فاتركهم لهذا في باطلهم يعمهون.
والله ـ سبحانه ـ ليس له ولد كما ثبت ، وليس له مكان بل هو في كل مكان ، ويستحيل عليه المكان لأنه يكون محدودا محصورا له أبعاد ونهاية وتلك كلها من صفات الحوادث والله منزه عنها ، وهو معبود في السماء ومعبود في الأرض ، وهو الواحد في كل شيء لا يحده زمان ولا مكان ، وهو الحكيم في كل أعماله العليم بكل أحوال خلقه ، ولا تنس أن هاتين الصفتين تتنافيان مع إثبات الولد ، فالنصارى يقولون : عيسى ابن الله مع أنهم يثبتون له الجهل وعدم الحكمة في بعض التصرفات ، ألا ترى أنه كان يبكى عند ما سمع بقتل برىء ويطلب من أتباعه أن يدلوه على قبره كما ورد في الإنجيل. فهل
__________________
١ ـ سورة القمر آية ٤٦.