المعنى :
من الحقائق الثابتة في كتب التاريخ والسيرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم بعد موت خديجة وموت أبى طالب الذي كان درعه الواقي ، وبعد أن أسرفت قريش في إيذائه ، خرج إلى الطائف موطن قبائل ثقيف لعله يجد فيهم الناصر والذائد عنه ، ولكنهم ردوه ردّا غير جميل ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع الناس وألجئوه إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة ، فرجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه ، بعد أن أدموا رجليه واختضبت نعلاه بالدم.
وهكذا الأنبياء والمرسلون والمصلحون دائما يلقون العنت والمشقة من بنى وطنهم ؛ ولما عاد صلىاللهعليهوسلم من الطائف بعد أن لقى من ثقيف وغلمانها ما لقى ، واتجه إلى الله في تضرع وخشوع قائلا : «اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، لمن تكلني؟! إلى عبد يتجهمني ـ يلقاني بالغلظة والشدة ـ أو إلى عدو ملكته أمرى! إن لم يكن بك غضب علىّ فلا أبالى. ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك أو يحل على سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك».
وكان النبي صلىاللهعليهوسلم نازلا في موضع يسمى (نخلة) من ضواحي مكة ، وبينا هو يصلى في جوف الليل يقرأ القرآن ، ويناجى صاحب الملك والجبروت إذ صرف الله إليه سبعة من أشراف الجن ، فاستمعوا إليه ، وهو يقرأ ، ولم يشعر بهم ساعة نزولهم عليه وانصرافهم إلى قومهم ، ونزل قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) (الآية) نزلت تطييبا لخاطره ، وشدّا لعزيمته وتقوية لروحه ، وبرهانا دامغا لأولئك المشركين الضالين ، وبعد ذلك ازداد يقينه بالإسراء والمعراج إلى الملأ الأعلى ، ولا شك أن فيها ترفيها روحيا وسموا نفسيا واتصالا ولقاء وتسلية وعزاء.
واذكر يا محمد لقومك وقت أن صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروا القرآن وأنت تتلوه ، قالوا لبعضهم : أنصتوا أدبا لهذا الحديث الذي ما سمعنا مثله أبدا ، فلما قضى وانتهى النبي منه ، رجعوا إلى قومهم منذرين يقولون : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ، ولن نشرك بربنا أحدا ، وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ، يا قومنا : إنا سمعنا كتابا