المعنى :
هكذا خلق الله الخلق ، وجعلهم فريقين ، فريق في الجنة وفريق في السعير ، فريق اتبع الباطل من نفسه وهواه ، وآخر اتبع الحق من ربه ومولاه ، فالذين كفروا بالله ورسوله ، وأعرضوا عن النور الذي أنزله على رسوله ، وصدوا غيرهم عن سبيل الله الذي هو سبيل العدل والكرامة ، هؤلاء أضل الله أعمالهم وأبطلها ، وجعلها ضائعة لا أثر لها ولا خير فيها.
والمراد بالذين كفروا المطمعون يوم بدر ، وهم أبو جهل والحارث بن هشام ، وعتبة ابن ربيعة وأخوه شيبة ، وأبى بن خلف وأخوه أمية وغيرهم من صناديد المشركين ، وكانت لهم أعمال في الخير أضلها الله وأبطلها كسقى الحجاج ، وإطعام الطعام وحماية الجار ... إلخ.
والذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات من الأعمال ، وآمنوا بما أنزل على محمد خاصة وهو القرآن الكريم ، وخص بالذكر لما له من مكانة عليا ، والحق مقصور عليه لا يتعداه إلى غيره فهو الحق من ربهم ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات كفر الله عنهم سيئاتهم ، وسترها بستار الإيمان وعمل الصالح من الأعمال ، وأصلح حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد حتى جعلهم لا يبالون بشيء بعد إيمانهم بالله.
والإضلال الخاص بالكافرين ، والإصلاح الخاص بالمؤمنين ، كل ذلك بسبب أن الذين كفروا اتبعوا الباطل الذي لا حق فيه ولا خير ، وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم.
مثل ذلك الضرب البديع والتبيان الرائع يبين الله لأجل الناس أحوال الفريقين ونهايتهم ، هذه الأحوال والصفات التي تجرى في الغرابة مجرى الأمثال السائرة.