قد حكم بأنكم لا تتبعون النبي ، وأن غنائم خيبر لمن شهد الحديبية فقط ؛ ولما كان هؤلاء المنافقون لا يعتقدون شيئا من هذا ، بل يظنون أن هذه حيل يحتال بها المسلمون حتى يفوتوا عليهم غنائم خيبر ، وما دفعهم إلى ذلك إلا الحسد والبغضاء قالوا ـ أى : المنافقون المتخلفون ـ : بل (١) تحسدوننا فليس الأمر كما تدعون بل إنما قلتم هذا حسدا وبغيا علينا ، هذا ما كان منهم ، وقد رد الله عليهم مضربا عن كلامهم مبينا أنهم قوم لا يفقهون من أمر دينهم إلا قليلا (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) ولذا تراهم يخادعون الله ورسوله ، وما يخادعون إلا أنفسهم ، وما يشعرون ؛ قل يا محمد لهؤلاء المتخلفين : ستدعون إلى محاربة قوم أولى بأس شديد ، والظاهر ـ والله أعلم ـ أنهم المرتدون بعد موت النبي صلىاللهعليهوسلم وهم بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب ، وقد دعا أبو بكر خليفة رسول الله المسلمين ـ ومنهم هؤلاء المتخلفون ـ إلى قتالهم حتى يسلموا ، والمشركون من العرب والمرتدون هم الذين يقاتلون حتى يسلموا ، ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف بخلاف غيرهم من المشركين والوثنيين والمجوس وأهل الكتاب فإنه يقبل منهم الإسلام أو الجزية أو القتال ، وهذا رأى أبى حنيفة بخلاف الشافعى ، والحق مع أبى حنيفة.
أيها المتخلفون : إن تطيعوا الله وأمر إمامكم يؤتكم أجرا حسنا ، ويقبل منكم التوبة ، وإن تتولوا وتعرضوا كما أعرضتم سابقا يعذبكم الله عذابا أليما ؛ فهذه فرصة لكم فاهتبلوها بتوبة خالصة صادقة.
وهذه رحمة الإسلام لا يحاسب إلا القادر ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، ولذا يقول : ليس على الأعمى حرج ، وليس عليه ذنب أو إثم في تخلفه عن رسول الله ، وليس على الأعرج حرج كذلك ، ولا على المريض حرج أيضا في ترك الجهاد حيث لا قدرة له عليه ، تلك أعذار مقبولة ، والله ـ سبحانه ـ هو العليم بذات الصدور ، وصدق رسول الله «إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ مّا نوى».
وهناك القانون العام الذي يجمع الخلائق كلها حتى لا يكون عذر لمعتذر : من يطع الله ويطع رسول الله في كل أمر ونهى يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار ، جنات عرضها السموات والأرض ، ومن يتول معرضا عن أمر الله ورسوله مؤثرا نفسه وهواه يعذبه عذابا أليما ، ويدخله جهنم ، وساءت مصيرا ..
__________________
١ ـ بل هنا للإضراب في الموضعين.