المعنى :
لقد صدق الله رسوله الرؤيا ، ولم يجعلها أضغاث أحلام ، وإن كان تفسيرها عمليا لم يقع إلا بعد عام ، والصدق يكون بالقول أو بالفعل ، وما في الآية صدق بالفعل فالله ـ سبحانه وتعالى ـ صدقه في رؤياه صدقا ملتبسا بالحق ، أى : بالحكمة البالغة ، والقصد الصحيح الذي يظهر به الإيمان الكامل والنفاق الصريح ، ولهذا أخر تفسير الرؤيا ووقوعها إلى العام القابل.
والله لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ، ولعل سائلا يسأل ويقول : الله خالق الأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها فكيف وقع التعليق بالمشيئة في فعله؟
الجواب : أنه تعليم للعباد ، وإيذان بأن منهم من يدخل ومنهم من يتخلف لموت أو مرض ، ولعل هذا التعليق ـ إن شاء الله ـ حكاية لما قاله ملك الرؤيا ، أو حكاية كلام النبي لأصحابه ، وإيذان بأن دخولهم مكة بأمر الله ومشيئته لا بشيء آخر.
لتدخلن المسجد الحرام حالة كونكم آمنين من العدو ، محلقين شعور رءوسكم ومقصرين له ، لا تخافون بعد الدخول (١) فعلم ما لم تعلموا من الأمور (٢) ، فجعل من دون ذلك ، أى : من قبل تحقيق الرؤيا عمليا فتحا قريبا ، وهو فتح خيبر ، جعله كالدليل على صدق الرؤيا وتحقيقها.
وكيف تشكون في تحقيق رؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم؟ وقد أرسله ربه بالهدى ودين الحق ، فلا يصح أن يريه في المنام خلاف الواقع ، فيكون ذلك داعيا لتكذيبه وزعزعة الناس فيه وفي أخباره ، هو الذي أرسل رسوله هاديا للناس ، ومصاحبا للهدى وملتبسا به ومؤيدا بالحجة والبرهان ، والنور والقرآن ، أرسله بالهدى ودين هو الحق لا شك فيه ، ليعليه على الأديان كلها فيقر الحق منها ، ويبطل الباطل ويغير من أحكامها ما لا يصلح في هذا الزمان ، وكفى بالله شهيدا على ذلك ، وأنك رسوله وخاتم أنبيائه. أليس في هذا تسلية؟ وأى تسلية أقوى من ذلك؟ على رد سهيل بن عمرو لرسالة الرسول صلىاللهعليهوسلم.
__________________
١ ـ وقيل : هي جملة مستأنفة واقعة جواب سؤال : كيف الحال بعد الدخول؟ فقيل : لا تخافون.
٢ ـ والفاء عاطفة لعلم على صدق ، والترتيب باعتبار التعليق الفعلى بالمعلوم لا بنفس المعلوم ، وإلا فهو متقدم على تصديق الرؤيا.