(وَأَقْسِطُوا) : يقال : قسط الرجل إذا أخذ قسط أخيه ، وأقسط : إذا عدل فأعطى قسط غيره.
هذه الآيات نزلت كما روى عن ابن عباس في رجلين أو في قبيلتين من أهل الإسلام يقتتلان.
المعنى :
وإن اقتتلت طائفتان من المؤمنين فالواجب على المسلمين أن يصلحوا بينهما ، ويقضوا بالحق الذي شرعه الله في كتابه : إما القصاص والقود ، وإما العقل والدية ، هذا الواجب العام على المسلمين يقوم به الإمام ، أى : الحاكم فيدعو المتنازعين إلى الصلح ، وإلى تحكيم كتاب الله والرضا بما فيه من التسامح والتساهل.
فإن تعدت إحداهما ولم تقبل نصحا بل ركبت رءوسها وقاتلت الطائفة الأخرى بغير حق ، فالواجب على المسلمين والإمام الذي ينفذ ما دام موجودا وإلا فعلى عامة المسلمين وجمهورهم ، الواجب قتال الفئة الباغية ، وردعها عن ظلمها حتى ترجع إلى كتاب الله وتحكيمه ، فإن رجعت بعد القتال ، وفاءت إلى الهدوء والسكينة وترك الشرور والحروب فالواجب الصلح بينهما بالعدل صلحا على السواء والإنصاف بلا تحيز ، لا صلح القوى مع الضعيف والمنتصر مع المهزوم كما يحصل اليوم ، والواجب الإصلاح بالعدل لتسل الضغائن وتزول الأحقاد ، ويعود الصفاء ويحل محل الخصام ، وبذلك يأمن الناس الرجوع إلى الحرب ، والله ـ تعالى ـ يحب المقسطين العدول ؛ وهذه الحروب الداخلية لها أحكام خاصة في كتب الفقه الإسلامى ، منها أنه لا يجهز على جريحها ، ولا يقتل أسيرها ، ولا يطلب هاربها ، ولا تؤخذ أموالها ، والذي يتلف في غير القتال فمضمون ، وأما في القتال فلا ضمان.
وإن كانت الفئتان باغيتين وكل يدعى لنفسه الحق فعلى المسلمين جميعا الإصلاح بما يحفظ على الناس دماءهم وأموالهم ، ويمنع من وقوع الحرب والدمار.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) في هذه الآية تقرير لما أمر الله به من الإصلاح في الآية السابقة وبيان للعلة ، إذ لحمة الإيمان وقرابته أقوى من لحمة النسب وقرابته ، والأخوة