وشهيد ، أى : سائق يسوقها إلى نتيجة عملها ، وشاهد يشهد لها بعملها ؛ ويقال لها : تالله لقد كنت أيها الإنسان في غفلة من هذا الذي نزل بك ـ وكل إنسان وله اشتغال ما عن الآخرة ـ فكشفنا عنك غطاءك ، وأزلنا عنك غفلتك التي كانت عندك في الدنيا ، بانهماكك في المحسوسات ، واشتغالك بالماديات ، وقصر نظرك عليها ، فبصرك اليوم حاد وقوى تدرك به ما غفلت عنه أو أنكرته في الدنيا.
وقال قرينه ـ وهو شيطانه الذي قيض له في الدنيا ـ : هذا ـ والإشارة إلى نفس الشخص الكافر ـ الذي عندي وفي ملكي عتيد لجهنم ، أى : قد هيأته لها بإغوائى وإضلالى (١) ، فيقال للموكل به من الملائكة : ألقيا في جهنم كل كفار معاند للحق مجانب له ، مناع للخير ، معتقد ظالم ، شاك في دينه مرتاب في ربه ، الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه ـ والأمر للسائق والشهيد كما مضى ـ في العذاب الشديد.
وحينما يلقى الكافر في جهنم يقول : يا رب أطغانى الشيطان وأضلنى!! فيقول الشيطان (٢) : ربنا ما أطغيته ولا أضللته ولكن كان هو في ضلال بعيد الغور ، فأنا وسوست له وزينت له السوء فقط ، وهو الذي ارتكب الإثم بنفسه بعد اختياره له وقصده ، وبعد ما جاء التحذير له من السماء مرارا ، فيا رب : ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد يستحق معه هذا العقاب ، فيقول الله : لا تختصموا لدى ، والحال أنى قدمت لكم بالوعيد ، وهو القرآن ، وأنذرتكم على ألسنة الرسل ، وحذرتكم من سوء العاقبة مرارا ، ودعوتكم إلى الخير جهارا.
ما يبدل القول لدى ، ولا معقب لحكمي ، وقد حكمت بتخليد الكافر في النار وتعذيب العاصي بها على حسب عمله ، ولن يغير هذا الحكم ، وما ربك بذي ظلم للعباد.
__________________
١ ـ وإعراب هذه الآية «هذا ما لدى عتيد» يجوز في (ما) أن تكون موصوفة و (عتيد) صفتها و (لدى) متعلق به و (ما) هذه خبر اسم الإشارة ، ويجوز أن تكون (ما) موصولة مبتدأ و (لدى) صلتها و (عتيد) خبرها والجملة خبر اسم الإشارة.
٢ ـ فصلت هذه الجملة لأنها واقعة جواب سؤال مقدر تقديره : ماذا قال الشيطان ردّا على اتهام الكافر له؟ وعطف قوله : (وَقالَ قَرِينُهُ) على ما قبله لأن إرادة الجمع بينها وبين ما قبلها وهي (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها ...) مطلوبة ، ولا مانع من العطف لاتحادهما خبرا وإنشاء.