المعنى :
كثيرا من الأمم السابقة (١) ، والقرون الماضية قبلكم أهلكناهم بعذاب شديد عاجل لما كذبوا الرسل ، وكفروا بالبعث ، وقد كانت تلك الأمم أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا ، وأصحاب تجارات ومصانع ، هؤلاء اشتد بطشهم فنقبوا البلاد ، وأكثروا فيها الفساد ، وقيل : أكثروا في السفر والترداد والبحث والطلب عن المال والتجارة ، فانظر هل من محيص أو محيد عن الله ولقائه؟ لا مناص منه ولا ملجأ إلا إليه ، فاعتبروا أيها المنكرون وآمنوا أيها المشركون.
إن في ذلك لذكرى وعبرة لمن كان له قلب يعقل به فيرى الحسن حسنا والقبيح قبيحا ، لأن من لا يتعظ بالمواعظ كأنه لا قلب له ؛ لمن كان له قلب يعقل أو أصغى بسمعه إصغاء من يريد أن يعرف الحق من غير تعصب ، وهو شهيد ، أى : حاضر بروحه وعقله لا بجسمه فقط ، وكثيرا ما نعى الله على الكفار عدم استفادتهم لأن على قلوبهم الأقفال ، وأنهم يحضرون بأجسادهم فقط (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها؟) ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما من عجائب في ستة أيام ، وهو القادر على خلقها في لحظة ، وما مسنا بعد ذلك إعياء ولا تعب ، قيل : نزلت ردّا على اليهود الذين يقولون : إن الله استراح يوم السبت واستلقى على العرش بعد أن خلق الدنيا طلبا للراحة ، وإذا كان هذا خلقه فكيف نستبعد عليه البعث؟!!
ولقد ختم الله السورة بعلاج من حكيم خبير ، علاجا لمن يدعو إلى الخير ويصاب بالأذى من قومه. ويجازى على الحسنة بالسيئة ، ليس لهذا علاج إلا الصبر وأن يحتسب أجره عند الله ، ويفوض أمره إليه ، والله بصير بالعباد ، وهو مع المؤمنين بالنصر والتأييد إن كانوا مؤمنين حقا.
اصبر يا محمد على ما يقولون ، واستعن على ذلك بالتسبيح والصلاة ، وتقوية الروح باللقاء المعهود مع خالق هذا الوجود ، في الصلاة والمناجاة والتسبيح والتكبير ، وسبح
__________________
١ ـ «كم» خبرية منصوبة بأهلكنا ، و «من قرن» تمييز لها ، وجملة «هم أشد» صفة لقرن ، والفاء في قوله : «فنقبوا» عاطفة على المعنى مع إفادة السببية.