عليه ولم يكن لخيانة منه. (كِسْفاً) جمع كسفة وهي القطعة من الشيء. (مَرْكُومٌ) أى : بعضه فوق بعض. (بِأَعْيُنِنا) : بعناية منا وفي حفظنا وحراستنا (١). (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) المراد : وقت إدبارها من آخر الليل ، أى : غيبتها بظهور نور الصبح.
المعنى :
من الناس من هم في أهلهم مشفقون ، ومن عذاب الله خائفون ، وهؤلاء ينفع معهم التذكر ، والنبي مأمور بأن يذكر بالقرآن من يخاف وعيده.
وإذا كان الأمر كذلك فذكر إنما أنت مذكر ، ونبي مرسل ، فما أنت بكاهن تبتدع القول وتخبر به من غير وحى ، ولست مجنونا لا تعى ما تقول ، وهذا رد لقولهم في النبي وبطلان لاعتقادهم فيه أنه كاهن أو مجنون ، كما كان يقول عنه عقبة بن أبى معيط ، وشيبة بن ربيعة ، والمعنى : انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك ، فأنت بحمد الله ونعمته صادق النبوة راجح العقل سليم المنطق (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ؟) (٢) أيقولون : هو شاعر؟ ننتظر به ريب المنون وحوادث الدهر ، فإنهم كانوا يجتمعون ويتشاورون في دعوة محمد وأثرها وخطرها ، وتكثر آراؤهم ثم ينتهى المجلس في أغلب الأوقات ، على أن محمدا شاعر ، من الخير أن ننتظر عليه ونصبر وسيهلك كما هلك زهير والنابغة وغيرهما ؛ قل لهم : تربصوا فإنى معكم من المتربصين أتربص هلاككم ونجاح دعوتي ؛ عجبا لهؤلاء! أتأمرهم أحلامهم بهذا التناقض في قولهم حتى قالوا مرة إنه كاهن ، وأخرى إنه مجنون ، وثالثة إنه شاعر! ما هذا؟ أيجتمع في رجل واحد الشعر والكهانة والجنون؟!!
بل هم قوم طاغون؟ نعم هم قوم أعمت بصيرتهم الضلالة ، وأضلهم العناد وسوء التقليد حتى ختم على قلوبهم ، وجعل على أبصارهم وأسماعهم غشاوة ، فمن يهديهم بعد هذا؟
__________________
١ ـ فالعين مجاز عن الحفظ.
٢ ـ أم التي ذكرت هنا في خمسة عشر موضعا هي بمعنى بل والهمزة ، أما بل فللإضراب الانتقالى والهمزة للإنكار والتقريع والتوبيخ بمعنى ما كان ينبغي أن يحصل ، أو بمعنى ما حصل هذا.