ولا مشقة بل بقوله للشيء : كن ، فيكون كلمح البصر في السرعة والتنفيذ ، وفي الحقيقة هذا تقريب للعقول في سرعة تعلق القدرة بالمقدور على وفق الإرادة الأزلية ، ولقد أهلكنا أشياعكم وأشباهكم من الأمم السابقة فهل من مدكر؟ وكل شيء فعلوه في الدنيا مسجل عليهم في الزبر وصحائف الأعمال ، وكل صغير وكبير من الأعمال مسطور ومكتوب في اللوح وعند الحفظة من الملائكة (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً!!) (١).
وهذه حال المتقين بعد حال الكافرين المذنبين ليظهر الفرق جليا بين الفريقين ، وبهذا يتم الترهيب والترغيب.
إن الذين اتقوا الله فابتعدوا عن الكفر والمعاصي في جنات عظيمة الشأن ، وأنهار تجرى في وسطها وهم في مقعد صدق ، أى : مكان مرضى ، روى أن جعفر الصادق ـ رضى الله تعالى عنه ـ قال في هذه الآية : مدح الله المكان بالصدق ، فلا يقعد عليه إلا أهل الصدق ، وهو المقعد الذي يصدق الله فيه مواعيد أوليائه ، ويتمتعون فيه بالنظر إلى وجهه الكريم ، يقعدون فيه عند مليك مقتدر قادر عظيم القدرة ، وما أروع هذا التعبير حيث أفهم العندية والقرب ، وذكر مليكا مقتدرا للإشارة إلى أن ملكه تعالى وقدرته لا تدركها الأفهام ، ولا تحيط بها العقول والأبصار.
__________________
١ ـ سورة الكهف آية ٤٩.