المعنى :
لقد كذب الكفار بالنبوة ، وكانوا كلما رأوا آية يعرضون ويقولون : سحر مستمر ، فخوفهم الله بذكر أخبار الذين كذبوا بالآيات وأعرضوا عنها من الأمم الماضية ، وطالبهم بالعبرة والموعظة مرارا ، ثم أنحى عليهم باللائمة قائلا ما معناه : لم لا تخافون أن يحل بكم ما حل بغيركم؟ أأنتم أقل كفرا وعنادا من قوم عاد وثمود وقوم فرعون وإخوان لوط؟! حتى يصح لكم أن تأمنوا مكر الله بكم؟! بل أأعطاكم الله ـ عزوجل ـ براءة من عذابه مكتوبة حتى تكون حجة في أيديكم؟ بل أيقولون واثقين بشوكتهم : نحن جماعة أمرنا مجتمع لا يرام ، ونحن جماعة جمعنا منصور لا يضام (١).
ولقد رد الله عليهم هذا الزعم الفاسد بقوله : سيهزم الجمع ويولون الدبر ؛ وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه ما كان يعرف معنى هذه الآية وهو في مكة حتى وقعت غزوة بدر وسمعت النبي يقرأ هذه الآية ، فعرفت تأويلها ، وقد كانت من دلائل النبوة ، فهزمت جموعهم ، وولوا الأدبار ، وليس هذا تمام عقوبتهم ، بل الساعة موعد عذابهم ، والساعة أدهى من ذلك العذاب الدنيوي وأمر.
ولا عجب أن يعذب الله الكفار في الدنيا والآخرة ، فإن لله قانونا حكم به عباده لن يتخلف وهو : إن المجرمين المكذبين في ضلال عن الحق ونيران حامية مسعرة وهم يعذبون يوم يسحبون في النار على وجوههم إهانة لهم حالة كونهم يقال لهم تبكيتا وإيلاما : ذوقوا مس سقر. إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر ، أى : بتقدير منا وإحكام وعلم فكل فعل أو أى شيء يصدر في هذا الكون خيرا كان أو شرا إنما هو بقدر الله ، وواقع بعلمه ، وسيجازى عليه جزاء وافيا ، ويدخل في ذلك أفعال العباد كلهم.
وليس هذا بكثير على قدرة الله وعلمه وإرادته ، فما أمره ـ سبحانه وتعالى ـ إلا فعلة واحدة ، وعلى نهج لا يختلف ، وهو الإيجاد لجميع الأشياء بلا معالجة ولا تعب
__________________
(١) الاستفهام في الآية إنكارى وجميع خبر نحن ، ومنتصر خبر لمحذوف تقديره : أمرنا أو جمعنا.