هو الأول فليس قبله شيء ، إذ هو السابق على جميع الموجودات لأنه مصدرها ، وهو الآخر لأنه الباقي بعد فناء خلقه ، وهو الظاهر وجوده لكثرة الدلائل المادية والمعنوية عليه ، وهو الباطن فلا تعرف العقول ذاته على حقيقتها ، ولا تدركها الأوهام وهو بكل شيء عليم ، روى في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة : «اللهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنّا الدّين وأغننا من الفقر!».
هو الذي خلق السموات والأرض (١) في ستة أيام ، الله أعلم بمقدارها ، وهو القادر على خلقها في لحظة (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢) لكنه ذكر هذه المدة ليعلم العباد التأنى والتثبت في الأمور ، وليعلمهم أن خلق السموات والأرض أكبر من خلقهم ، وليس هو بالهين (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (٣).
ثم استوى على عرشه ، واستقام أمره ، واستقر على حسب ما يريده مما لا يعلم ذلك إلا هو ، وهذا هو رأى السلف ، وأما الخلف فيؤولون قائلين : استوى على عرشه بعد تكوين خلقه بمعنى أنه يدبر الأمر ويفصل الآيات ، يعلم ما يلج في الأرض ويدخل فيها من نبات وبذور ، وإنسان ومعادن وكنوز ، وما يخرج منها من زروع وثمار ، ومياه وجثث وغيرها ، وهو يعلم ما ينزل من السماء من مطر أو شهب أو ملك أو آيات ، وما يعرج فيها ويصعد إليها من عمل أو ملك أو غيره ، وهو معكم بعلمه وقدرته أينما كنتم ، والله بما تعملون بصير.
له ملك السموات والأرض ، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ، وإلى الله وحده ترجع الأمور ، يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، بمعنى أنه يدخل هذا في زمن ذاك ، وبالعكس ، ونحن في مصر نرى الليل في الشتاء طويلا بينما يكون النهار في الصيف قصيرا ، وفي الصيف يكون العكس ، وفي الربيعين يتساوى الليل والنهار ، سبحانه من قادر حكيم! وهو العليم بذات الصدور ومكنوناتها التي لا تفارقها (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) (٤) سبحانه وتعالى عما يشركون؟
__________________
١ ـ الظاهر والله أعلم أن هذه الجمل بيان وتفسير لتمام ملكه ولذا فصلت عن سابقتها.
٢ ـ سورة يس آية ٨٢.
٣ ـ سورة غافر آية ١٩.
٤ ـ سورة غافر آية ٥٧.