والسنة في يساره لتؤمنوا بربكم من أول الأمر أو لتداوموا على الإيمان وتقووه وقد أخذ الله ميثاقكم بما نصب من الأدلة المادية في الكون ، وما خلق فينا من قوى وغرائز كلها توصل إلى الإيمان ، لو نظرنا بها مجردين عن الهوى والتقليد الأعمى ، وقيل : إن الميثاق هو ما أخذه ربك على الناس في عالم الذر ، حين أشهدهم على أنفسهم قائلا : ألست بربكم؟ قالوا : بلى ؛ وما لكم لا تؤمنون والرسول يدعوكم للإيمان ، وقد أخذ ربكم عليكم الميثاق ، لا عذر لكم ، إن كنتم تريدون الإيمان فبادروا إليه.
هو الذي ينزل على عبده محمد آيات بينات هي القرآن الكريم ، وينزل معجزات واضحات ، كل ذلك ليخرجكم من الظلمات إلى النور ، وينقذكم من الكفر إلى الإيمان ويهديكم الصراط السوى ، وإن الله بكم لرءوف رحيم.
وأى شيء ثبت لكم غير منفقين في سبيل الله بعد هذا؟! ولله ميراث السموات والأرض وما فيهن ، فستخرجون من الدنيا ، والله هو الذي يرث الأموال ويعطيها لمن يشاء ، ويبقيها عند من يشاء ولن تستفيد إلا ما قدمته من خير ، وأما الوارث فأمره عند ربه ، وله رزقه وحظه في الدنيا ، وكم رأينا من جمع المال الكثير من طريق الحلال أو الحرام ثم تركه لوارثه ، فلم يبقه الوارث أكثر من شهور ، وأما من جمع فالويل له إن لم يكن قد أدى الزكاة وأنفق في سبيل الله ، وتوخى الحق في جمع المال ، وكم رأينا أناسا جمعت القليل أو لم تجمع أصلا ، وكانت في حياتها مثلا أعلى للمسلم في المعاملة فلم يغش ولم يخادع ولم يكن في جمع المال كحاطب ليل ، ثم ترك أولاده ولهم الله فلم يمض غير القليل حتى من الله عليهم بالمال والجاه والغنى والسعادة (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً).
[الكهف ٨٢]
يا أخى ثق أنك لن تغني ابنك ، والمورث هو الله وحده ؛ فأد حقوق الله واحذر الدنيا والمال!! وليس معنى هذا أن تنفق كل مالك ، لا : بل اعمل كما أشار النبي صلىاللهعليهوسلم على سائله في هذا قائلا معناه : أنفق الثلث والثلث كثير لأن تذر أولادك أغنياء خير من أن تتركهم عالة على الناس يتكففون السؤال. (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [سورة الإسراء آية ٢٩].
لا يستوي منكم من أنفق من قبل فتح مكة وقاتل وقتئذ مع من أنفق وقاتل بعده أولئك السابقون أعظم درجة عند الله من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، وكلهم خير بلا شك ، وقد وعدهم الله الجنة ، مثوى لهم ، والله بما تعملون خبير.