لا تنفقوا على من عند رسول الله من المهاجرين حتى ينفضوا ويتفرقوا عنه. عجبا لهؤلاء ، أما علموا أن في السماء الرزق ، وأن لله خزائن السموات والأرض ، وأنه هو الرزاق ذو القوة المتين ، ولكن المنافقين لا يفقهون ذلك. يقولون : لئن رجعنا إلى المدينة من غزوة بنى المصطلق ليخرجن الأعز منها ـ أرادوا أنفسهم ـ الأذل من المهاجرين وأصحاب رسول الله ، بئسما قالوا ؛ والحال أن العزة والقهر والغلبة لله على أعدائه ، ولرسوله العزة بنصرة دينه وإظهاره على الأديان كلها ، وللمؤمنين العزة بنصرتهم على أعدائهم ، وخاصة من يقول هذا الكلام السابق ، ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك.
أرأيت إلى المنافقين وإيمانهم الكاذب ، وأيمانهم ، وشهادتهم؟ ـ والله يعلم إنهم لكاذبون ـ انظر إليهم وقد اتخذوا أيمانهم جنة لهم ، وقد صدوا عن سبيل الله وساء عملهم ، وهم في المجالس كالخشب المسندة ، ويظنون أن كل صيحة واقعة عليهم ، وهم الذين يدعون غيرهم إلى الإمساك والشح لقصر عقولهم ، ويتعاهدون على إخراج المؤمنين معتزين بالباطل والغرور ، ولكن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [سورة النساء آية ١٤٥].
يا أيها الذين آمنوا : لا تكونوا كالمنافقين الذين يغترون بالأموال والأولاد ، ويشتغلون بتدبيرها ورعايتها عن ذكر الله ، ولا شك أن من أهم الأسباب التي تدفع الإنسان إلى النفاق أو التحلل من الدين هو الانشغال بالدنيا وعوارضها ، والانهماك الشديد في تحصيلهما ورعايتهما ، فذلك مما يشغل الإنسان عن ذكر الله وعن عبادته ، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون لأنهم باعوا الباقية بالفانية ، واشتروا الضلالة بالهدى ، وليس معنى هذا أننا نترك الدنيا بما فيها من الأموال والأولاد ، لا. ولكن المنهي عنه هو الانشغال بهما عن ذكر الله ، أما إعطاء الدنيا حقها مع العبادة وذكر الله فهذا هو مطلوب الشرع الشريف ، وفي هذه الدائرة يتنافس المتنافسون ، وأنفقوا بعض ما رزقناكم ، أنفقوا بعض ما جعلكم الله خلفاء فيه ، وأنفقوا بعضا يكن لكم حصنا ووقاية من عذاب الله ، أنفقوا بعض المال يكن حصنا لكم ولمالكم حتى لا يذهب في الدنيا ، ولا تعاقبوا في الآخرة ، أنفقوا قليلا من المال من قبل أن يأتى أحدكم مقدمات الموت وأماراته فيقول حين يرى ما أعد للمتخلفين عن أوامر الله ، فيقول : رب لولا