المعنى :
يسبح لله ما في السموات ، وما في الأرض ، وينزهه عن كل نقص ، تنزيها مستمرّا كل ما فيهما ، وذلك بدلالته على اتصافه بكل كمال ، وسموه عن كل نقص ، له الملك وحده دون غيره ؛ إذ هو المبدئ المعيد الخالق المصور ـ سبحانه وتعالى ـ وله وحده الحمد ؛ إذ هو المولى لكل النعم الرحمن الرحيم ، وأما ملك غيره لبعض الأشياء فاسترعاء منه ـ جل شأنه ـ وتمليك منه له ، وما حمد غيره ـ تبارك وتعالى ـ فلجريان بعض النعم على يديه فهو له في الحقيقة والواقع. وهو على كل شيء قدير.
وها هي ذي بعض آثار القدرة : هو الذي خلقكم وأوجدكم من العدم ، خلقكم من تراب وسواكم ، ثم نفخ فيكم من روحه فكان الإنسان مكونا من مادة وروح ، وفيه نوازع الخير ونوازع الشر ، فمنكم أيها الناس كافر ، ومنكم مؤمن ، والله ـ جل جلاله ـ هو الذي أراد هذا وقدره ، وكفر الكافر من تغلب مادته على روحه ، وهكذا العاصي ، والمؤمن بالعكس ، وسيجازى ربك على الكفر والمعصية ، أو على الإيمان والحسنة لأن صاحبها اختار ذلك ، والله بما تعملون بصير ، وهو بخلقه خبير.
الذي خلقكم ، وكان منكم الكافر والمؤمن خلق السموات والأرض ، وهذا الكون كله الذي عرف بعضه ، وجهل أكثره لم يخلق عبثا بل خلق خلقا ملتبسا بالحق والحكمة البالغة ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى ، وهو الذي صوركم فأحسن صوركم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (١) نعم خلقنا فصورنا على أتم صورة ، وأكمل نظام ، وأدق ترتيب ، خلق فينا العقل والفكر ، والنظر والبيان لنعرف مآلنا ونهاية أمرنا إن كنا من المفكرين! صورنا في أحسن صورة وإليه وحده المرجع والمصير ، فالواجب أن نتقي الله وننظر ما قدمناه لغد ، ونعلم أن الله يعلم ما في السموات والأرض ، وهو يعلم الغيب والشهادة ، ويعلم السر وأخفى ، وهو العليم بذات الصدور جل شأنه وتبارك اسمه سبحانه وتعالى!
__________________
١ ـ سورة التين آية ٤.