هدد الله المشركين بذكر يوم القيامة ، وما يحصل فيه بعد التعرض للسؤال عن العذاب الواقع ، ثم ذكر هنا طبيعة الإنسان التي تدعوه إلى الكفر واستعجال العذاب والإتيان بأعمال يكون الدافع له حب العاجلة وترك الآجلة ، وتلك من غرائز الناس إلا من آمن به فإنه ينجو منها.
المعنى :
إن الإنسان خلق من طين أسود لازب ، جف حتى صار كالفخار ، ثم نفخ فيه من روح الله ، هذا الإنسان لا بد أن ينزع إلى الشر وإلى الخير ، ونزعه إلى الشر كثير بل هو الأصل ، ولا يخفف هذا إلا دواعي الخير كالإيمان السليم والقرآن الكريم ، والعقل الراجح وبدون هذا فالإنسان حيوان ، لكنه مفكر ، فالإنسان من حيث هو إنسان مادى بطبعه يؤثر الدنيا على الآخرة ، ويحب العاجلة على الباقية ، ولا يمنعه من هذا إلا الإيمان بالله وحبه له ولرسوله ، وامتثال أمر الشرع في أفعاله ، عندئذ يتبصر فيرى الحق ويتبعه وإن خالف نفسه وهواه ويرى الشر فيتجنبه وإن دعته له الدنيا وطبيعته ، فالإنسان خلق كثير الهلع ، شديد الجزع ، إن مسه الشر يستولى عليه يأس قاتل ، وقنوط مميت ، فهو لعدم إيمانه بالله يظن أن هذا الذي نزل به من فقر أو مرض أو مصيبة لا يمكن أن تتحول عنه ، كأنه ليس في الكون إله يقدر على ذلك ، وهو إن مسه الخير ، وصادفه الحظ كان منوعا له عن الناس جميعا ، لأنه يعتقد أن هذا الذي وصل إليه إنما أوتيه على علم عنده وعلى قوة وبصر منه ليس لله فضل عليه ، وليس لمخلوق حاجة لديه ، ولذلك تراه يمنع رفده ، ويضرب عبده ؛ ويأكل وحده ، تراه فظا غليظ القلب جافى الطبع سىء المعاملة.
تلك بعض طبائع الإنسان الموجودة فيه. أما علاجها فهو الإيمان بالله ، وحسن التوكل عليه ، وحب الآخرة ، والبعد عن الدنيا وزينتها ، وخلاصة ذلك : طاعة الحق ، والإشفاق على الخلق ، والإيمان بيوم الدين ، والخوف من العقوبة ، وقد استثنى الله ـ سبحانه ـ من الناس الذين جبلوا على الهلع والجزع ومنع الخير ـ وفي هذا إشارة إلى العلاج ـ المؤمنين الكاملين الواثقين في الله ثقة كاملة ، وهؤلاء هم المصلحون المحافظون على صلاتهم المداومون عليها ، الذين يعطون الفقير حقه من أموالهم ، سواء سأل أو تعفف ، والذين يؤمنون بالغيب ، ويصدقون بيوم البعث ، والذين هم من عذاب ربهم دائما في خوف ، فليس