الدنيا والدين ، فواجب عليهم أن يكون الله ورسوله أحب إليهم من كل ما سواه حتى أنفسهم ، وأن يكون حكمه أنفذ عليهم من حكم أنفسهم ، وحقه أثبت لديهم من حقوق أنفسهم وتكون نفوسهم فداء له وأجسامهم وقاية له من كل شر ، وكل ما يملكون تحت قدميه ، وكل ما أمر به أو نهى عنه أقبلوا عليه مؤمنين به ، إذ هو إرشاد لهم وتوجيه ، ليظفروا بسعادة الدارين ، فهو أولى بالمؤمنين ، على معنى أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم من أنفسهم.
وأزواجه أمهاتهم في التعظيم والمحبة والإجلال وحرمة النكاح (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) (١) وهذه كرامة لهن فقط ، وحفظ لحقوقهن فقط فليس بناتهن إخوة ، ولا أخواتهن خالات للمؤمنين.
وكان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين وبالهجرة لا بالقرابة ، فبين الله تعالى أن القرابة أولى من الحلف ، والوراثة باسم الدين والهجرة ، وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ـ القرآن ـ أى : أولى من سائر المؤمنين والمهاجرين.
لكن أن تفعلوا إلى أوليائكم ، أى : من توالونهم وتوادونهم من المؤمنين والمهاجرين والأجانب ، أن تفعلوا معروفا كوصية فجائز لا شيء فيه ، وإنما المحرم الإرث ، كان ذلك ، أى : تحريم الإرث بالإيمان والهجرة ووجوب الإرث بالقرابة والرحم ، كان ذلك في الكتاب ، أى : القرآن مكتوبا ومسطورا.
واذكر وقت أن أخذنا من النبيين ميثاقهم وعهدهم المؤكد عليهم بأن يبشر بعضهم ببعض ، ويصدق بعضهم بعضا ، وإذ أخذنا منك يا محمد ، ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وخص هؤلاء بالذكر مع اندراجهم في النبيين لأنهم أصحاب شرائع وكتب ، وهم أولو العزم من الرسل ، وهذا مما يؤكد تحريم التوارث بين المؤمن والكافر المفهوم من السياق ، فهو مما لم تختلف فيه شريعة نوح ومن معه مع شريعة محمد صلىاللهعليهوسلم.
والخلاصة : أنه كان في ابتداء الإسلام توارث بالهجرة ثم توارث بالقرابة مع الإيمان ، وأما التوارث بين مؤمن وكافر فلم يكن دين أحد من الأنبياء الذين أخذ عليهم الميثاق ، فلا تداهنوا في الدين ، ولا تمالئوا الكفار.
__________________
١ ـ سورة الأحزاب آية ٥٣.