ويريد الله أن يعلمنا أن هذا الغيب وصل إلى الرسل عن طريق محكم جدّا ، وبلغه الرسل بأمانة ودقة وحكمة ، لم يكن معه نسيان أو إهمال أو خطأ في شيء ، ألا ترى قوله : (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) فإنه يسلك من بين يدي الرسول ومن خلفه حرسا شديدا يحفظونه من الوساوس والاختلاط ، والذهول والنسيان حتى لا يترك بعض ما أوحى إليه أو يقصر في تبليغه (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [سورة القيامة آية ١٧] وهذا ما يسمى في عرف علماء التوحيد بالأمانة والعصمة.
كل ذلك ليعلم ربك علم ظهور وانكشاف ـ أى : يتحقق هذا في الخارج ويشاهده الجميع ـ أن قد أبلغوا ـ أى : الرسل ـ رسالات ربهم ، أو ليعلم أن قد أبلغ جبريل زعيم الملائكة رسالات ربهم ، والحال أن الحق ـ تبارك وتعالى ـ أحاط بما لديهم كله إحاطة العليم الخبير ، الناقد البصير ، وأحصى كل شيء من هذا الكون حالة كونه معدودا مميزا عن غيره ، فهل يعقل أن يتطرق إلى الرسل شك في زيادة أو نقص (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)! [سورة الحجر آية ٩].
وانظر إلى ختام السورة ، بإبراز الغيب الإلهى محاطا بسور لا يقربه إلا المرتضى المختار من الرسل الكرام ، أما الجن والكهان ومن يدعى علم الغيب فأولئك كذبة فجرة ، لا يعرفون أنفسهم ..