روى أنه صلىاللهعليهوسلم كان حريصا على حفظ القرآن ، وكان يصعب عليه حفظ الآيات ؛ وجبريل يلقيها إليه ، فكان يحرك لسانه وشفتيه بالقرآن أثناء سماعه لجبريل حرصا على عدم ضياع شيء منه ، فنهى النبي عن ذلك في سورة طه. (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ..) الآيات ؛ والمعنى : لا تحرك أيها الرسول لسانك وشفتيك بالقرآن قبل أن ينتهى جبريل من إلقاء الوحى ، لا تحرك لسانك لتعجل بأخذه وحفظه ثم ذكر العلة في ذلك فقال : إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك ، وتثبيته في قلبك ، وإن علينا أن نوفقك لقراءته كاملا مضبوطا حتى تحفظه ولا تنساه ، فإذا قرأناه عليك بواسطة جبريل فأنصت له حتى يفرغ ، وإذا فرغ جبريل فاتبع قراءته فإنك ستجد نفسك واعيا له وحافظا ، ولا يهمنك معناه فإن على الله وحده بيانه وإيضاح مشكلاته وكشف أسراره لك ، أليس ذلك من الأدلة القوية على أن القرآن من عند الله؟
بقيت مسألة هامة : ما السر في وضع هذه المسألة وسط الكلام على البعث ومنكريه؟ بعض العلماء ذهب في تأويله إلى أن الكلام متصل بما قبله إذ كل إنسان له كتاب يقرأ فيه عمله يوم القيامة ، فإذا جاء المكذب بيوم البعث الفاجر طول حياته يقرأ كتابه ، تلجلج وحرك لسانه بسرعة ليخفى بعض ما في الكتاب ظنا منه أن ذلك ينجيه فنهى عن ذلك وأمر بالإقرار والاعتراف لأن على الله بيان كل أعماله.
ولكن أغلب المفسرين على الرأى الأول ، وقالوا عن وضع هذه الآيات هنا : إنها اعتراض بما يؤكد التوبيخ على العجلة ، ولو كانت في الخير كما في حفظ القرآن ؛ فكيف بها إذا كانت في حب الدنيا ، والذي يؤيد هذا ما وراء ذلك من آيات.
ويرجح الشيخ عبد القادر المغربي في تفسيره أن هذه الآية أنزلت على النبي صلىاللهعليهوسلم حينما كان جبريل يتلو عليه سورة القيامة فكان صلىاللهعليهوسلم يحرك لسانه متعجلا الحفظ فأوحى إليه ربه آية (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ ...) ولقنه جبريل هذه الآية غضة طرية في غضون تلقينه الآيات التي حرك بها لسانه ليكون ذلك أدعى إلى الامتثال.
كلا ، ارتدعوا أيها البشر عما أنتم عليه من حب العجلة في شئونكم وأعمالكم وهذا داء عام شامل لجميع البشر ، وإن يكن البعض يتعجل في الخير والكثير يتعجل في التكذيب والشر ، أنتم أيها المكذبون بالبعث لم تكذبوا الوحى إحقاقا للحق بل أنتم قوم تحبون العاجلة وتؤثرون الدنيا الفانية ، وتذرون الحياة الآخرة والعمل لها ، وما علمتم أن