كتابا أحصى أعمالهم ، ولم يغادر منها صغيرة ولا كبيرة ، وإن هذا الكتاب لفي الديوان الجامع الذي دون فيه أعمال الفجرة من الثقلين ، وما أدراك ما سجين؟ والمراد تفخيمه وأنه لا أحد يعرف عنه شيئا إلا ما أخبر به الحق ـ تبارك وتعالى ـ فقال : هو كتاب مرقوم ظاهر الكتابة ، أو معلم يعرفه بعلامته كل من رآه أنه لا خير فيه.
الويل والهلاك للمكذبين ، الذين يكذبون بيوم الدين ، ومنشأ ذلك هو كثرة الاعتداء وتجاوز الحدود ، وارتكاب الآثام والشرور ولذا يقول الله : وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ، وتأويل ذلك أن النفس التي اعتادت الظلم والطغيان والبغي والاسترسال في الشرور والآثام يصعب عليها جدا الإذعان لأخبار الآخرة والتصديق بها ، فإن تصديقها ـ مع هذه الأعمال ـ حكم صريح عليها بالسفه والجنون ، وهذه النفس تكون جامحة طامحة ، فصاحبها يعللها ، ويهون عليها الأمر بالتغافل والتكذيب بيوم القيامة ، أو التعلق بالأمانى الباطلة. تلك حقائق قرآنية نادى بها العلم الحديث ؛ فلذلك إذا تليت آيات القرآن التي تنادى بإثبات البعث على هذه النفس لم يكن منها إلا أن تقول : تلك أساطير الأولين وأكاذيبهم ، حكيت لنا وأثرت عنهم ، ولكنها أحاديث لا حقيقة لها ، ولا تستحق النظر.
«كلا» ليست آيات القرآن أساطير ، وإنما هي الحق لا مراء فيه ، إنما دفعهم إلى هذا وجرأهم عليه أعمالهم السيئة التي مرنوا عليها ودربوا حتى اسودت قلوبهم ، وران عليها الفساد فلم تعد تبصر الخير على أنه خير ، فإن الرين الذي ينشأ عن الذنب كالصدإ على المرآة ، والتوبة تجلوه : ومداومة العمل الفاسد تجعل الفساد ملكة عند الإنسان فيعمل الشر بلا تفكير ولا روية ، وذلك هو الرين أو الطبع أو القفل.
(كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ