المعنى :
روى البخاري في صحيحه عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ ما معناه قالت : أول ما بدئ به رسول الله من الوحى الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتى حراء فيتحنث فيه ـ فيتعبد فيه ـ الليالى ذوات العدد ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى فاجأه الوحى ، وهو في غار حراء فجأه الملك فيه. فقال : اقرأ. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذنى فغطني ـ ضمني إليه ـ حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى ، فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ... إلخ الحديث.
وعلى ذلك فصدر هذه السورة أول ما نزل من القرآن ، رحمة وهدى للناس ، وأول خطاب وجه إلى رسول الله من قبل الحق ـ تبارك وتعالى ـ كان أمرا بالقراءة وحديثا عن القلم والعلم ، أفلا يتدبر المسلمون هذا ويعملون على نشر العلم ويحملون لواءه؟! فهذا نبيهم الأمى أمر بالقراءة وعمل على نشرها.
أما بقية السورة فالظاهر أنها نزلت بعد ذلك ، وأول سورة نزلت كاملة أم الكتاب ـ الفاتحة ـ وخلاصة معنى الآيات : كن قارئا ـ يا محمد ـ بعد أن لم تكن كذلك ، واتل ما أوحى إليك ولا تظن أن ذلك بعيد لأنك أمى لا تقرأ ولا تكتب ، ولا تتوهمن أن ذلك محال ، فالله الذي أبدع هذا الكون وخلق فسوى وقدر فهدى : وخلق الإنسان الذي هو أشرف المخلوقات ، والمسيطر عليها ، والمتميز عنها بالعقل والتكليف وبعد النظر ، خلقه من قطعة دم جامدة لا حس فيها ولا حركة ولا شعور ، ثم بعد ذلك صار إنسانا كاملا في أحسن تقويم.
هو الله الذي يجعلك قادرا على القراءة ويهبك العلم بما لم تكن تعلم أنت ولا قومك منه شيئا ، وهو القادر على أن ينزل عليك القرآن لتقرأه على الناس على مكث وما كنت تدرى قبله ما الكتاب ولا الإيمان!!