المعنى :
أقسم الحق ـ تبارك وتعالى ـ بالخيل إذا عدت حالة كونها تضبح ضبحا ، فالخيل التي تغير على العدو في الصباح ، فالخيل التي تثير التراب وتهيجه فوق الرءوس فتتوسط به جموع الأعداء ، وهن متلبسات بالغبار.
أقسم الله بالخيل الشديدة العدو التي تخرج من أفواهها زفيرا عاليا ، فالتي تورى النار أثناء الجري ، وتغير على العدو في الصبح ، وتثير النقع وتتوسط به جمع الأعداء ، وتلك أوصاف للخيل التي يجاهد بها أصحابها في سبيل الله ، وهذا شرف كبير ، ولذلك أقسم الله بها ، على أن الخيل من الدواب التي لها مكانتها ، وهي كما قال العربي : ظهورها حرز وبطونها كنز. ومهما استحدث من آلات الحرب فلا زال للخيل مكان ملحوظ ، على أن هذه الأوصاف تعلمنا كيف نستخدم الخيل ، حتى لا نتخذها زينة فقط. (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [سورة النحل آية ٨].
أما المقسم عليه فقوله : إن الإنسان لربه لكنود ، وإنه على ذلك لشهيد ، وإنه لحب الخير لشديد ، وقد وصف الله الإنسان بثلاث صفات : الأولى كونه كنودا ، أى : مناعا للخير جحودا يجحد نعمة ربه ، ولا يقوم بشكرها ، وهذا إنما يكون من الإنسان الكفور أو العاصي ، لقد صدق الحديث : «الكنود الّذى يمنع رفده ، ويأكل وحده ، ويضرب عبده» الثانية كونه على أعماله شهيدا ؛ فأعماله شاهدة عليه فلا تحتاج لدليل ، وهو لا يستطيع إنكار جحده لظهوره ، على أنه إن أنكر بلسانه عناده فبينه وبين ضميره يشهد بأنه منكر جاحد لنعم ربه ، وسيشهد على نفسه يوم القيامة ، فهو إذا على أعماله شهيد ، والثالثة : إنه لحب الخير لشديد ، نعم ، إن الإنسان لأجل حبه المال حبا جما بخيل به شحيح لا ينفق منه إلا بقدر بسيط ، وهو حريص عليه ، متناه في الحرص ، ممسك مبالغ في الإمساك.
يحصل منه هذا؟! أفلا يعلم الإنسان أن ربه به بصير؟ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وأخرجت الناس من الدور ، ثم أظهرت دفائن القلوب وأسرار الصدور : إن ربهم بهم يومئذ لخبير ، وإنه سيجازى على النقير والقطمير.