وفي هذه الأيام لا هجرة من بلد إلى بلد كما يهاجر سكان شمال أفريقيا إلى بلاد الحجاز خوفا من عنت الفرنسيين ، لا يا قوم ، اثبتوا في مكانكم وتجمعوا مع إخوانكم وشقوا لأنفسكم الطريق ، وتمسكوا بدينكم تفوزوا على أعدائكم. وإلا فسيكون مآل بلاد الإسلام إلى تسليمها للأعداء ، فالآية نزلت في الهجرة قبل الفتح لا في الهجرة مطلقا في كل وقت ومن أى بلد.
وها هي ذي المرغبات في الجهاد والهجرة في سبيل الله يسوقها الله فيقول :
كل نفس مهما كانت لا بد أن تذوق الموت ، وإذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تجعل الخوف من الموت سببا في الخضوع والذلة ، والمكث في دار الكفر حبا في الدنيا مع أنك مفارقها حتما وميت حتما ، وإلى الله وحده ترجع الأمور كلها ، فمن العقل أن تعمل لذلك اللقاء ، وتدخر ليوم الحساب ما تقدم من صالح الأعمال.
وها هم أولاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة أماكن عالية ولننزلنهم فيها غرفا تجرى من تحتها الأنهار ، وخالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ، ونعم أجر العاملين أجرهم. وهم الذين صبروا على الأذى ما دام المصير خيرا للدين والدعوة ، وعلى ربهم يتوكلون إن سافروا وهاجروا في سبيل الله أو قاموا بعمل نافع.
وإذا كان الأمر كله بيد الله ، وهو الرزاق ذو القوة المتين ، فاعلم أنه يرزق من ليس له حيلة حتى يعجب صاحب الحيلة ، ويرزق الطير يغدو خماصا ويروح بطانا نعم كم من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها من حيث لا تعلم ، ويرزقكم يا أيها المهاجرون وإن لم يكن معكم زاد ولا نفقة ، وهو السميع لكل قول ، العليم بكل فعل ، وهذا غرس لمبدأ التوكل على الله ، وقد كان ذلك كذلك فقد هاجر المسلمون إلى المدينة ثم فتح الله لهم الدنيا.
ومن الغريب لئن سألتهم من خلق السموات والأرض ، وما فيهما من عوالم لا يعلمها إلا خالقها؟ ومن سخر الشمس والقمر تسخيرا يحير العقول في إدراك سره ونظامه؟ ، فتسخير الشمس والقمر بهذا الوضع الذي ينشأ منه الليل والنهار ، والفصول السنوية من صيف وشتاء وربيع وخريف أدل على كمال القدرة وتمام العلم وحسن النظام من نفس خلق الشمس والقمر ، ولعل هذا هو السر في تعبير القرآن بسخر ، ولئن سألتهم عن هذا ليقولن الله فكيف تصرفون عن التوحيد إلى الإشراك؟! كيف تقرون بأن الله خالق