إن قيل : إذا ثبت التحريم على أخذ الرشوة لفعل باطل ، أو قيام بواجب ، وحرم على الدافع ليفعل له الباطل ، فهل يحرم على الدافع ليفعل له الواجب؟
قلنا : في ذلك تردد ، فذكر المنصور بالله ، وجماعة من العلماء (١) جواز ذلك استفداء لحقه كما يستفدى من اللصوص ببعض المال.
وقيل : عموم الحديث يمنع ، وهو : (لعن الله الراشي والمرتشي) والأول أجود (٢).
ثم إنه يتفرع من ذلك مسائل :
الأولى : هل تحرم الأجرة على تعليم القرآن ؛ لأنها عوض على واجب على المعلم ، وهو التعليم ؛ إذ هو من فروض الكفايات.
قلنا : مذهب الهادي ، والمؤيد بالله ، وأبي حنيفة ـ لا يجوز.
وقد فسرت الآية وهي قوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) بأنه أخذ الأجرة على التعليم لما أنزل الله في الكتب.
قال أبو العالية : وفي كتبهم يعني اليهود «يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا» وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (اقرأوا القرآن ، ولا تأكلوا عليه ، ولا تستكثروا) (٣)
__________________
(١) منهم الإمام يحي ، وأبو جعفر ، قال في البيان : في المجمع عليه ، وفي البحر : وإن كان مختلفا فيه فكالباطل ، إذ لا تأثير لحكمه.
(٢) يقال : هلا كان الثاني أجود ، لأنه من فعل السبب المفضي إلى محرم ، كما يأتي في قوله تعالى (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ) الآية.
(٣) أخرجه أحمد بلفظ (اقرأوا القرآن ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا عليه ، ولا تجفوا عنه ، ولا تغلوا فيه) قال في بلوغ الأماني هامش الفتح الرباني : وقال الهيثمي : رجاله ثقات ، وقال الحافظ : سنده قوي ، وأخرج نحو في جامع الأحاديث ١ / ٧٠٩ برقم ٣٧٢٩ ، عن عبد الرحمن بن شبل. وقد روي (ولا تستكثروا) (ولا تستكبروا) ومعناه : أي : تستكثروا به من الدنيا ، أو تستكبروا به على الناس.