(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) لا عموم فيه ، حتى يقال : دخل فيه الطهارة ، مع أن المراد بالتكريم ما تميز به من بين الحيوانات من العقل والنطق والخط ، وحسن الصورة ، والقامة ، وتدبير أمر المعاش ، والمعاد ، وبعثة الرسل ، وغير ذلك. وقيل : بتسخير ما سخر لهم مما في الأرض.
وعن ابن عباس : «بخلق الأصابع يأكلون بها».
وروي أن الرشيد أحضر طعاما ودعا بملاعق ، وعنده أبو يوسف ، فقال له : جاء في تفسير جدك ابن عباس : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) أي : جعل لهم أصابع يأكلون بها ، فأحضرت الملاعق فردها ، وأكل بأصابعه ، وقوله تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) [الإسراء : ٧٠] قالت المعتزلة : أراد تعالى ما سوى الملائكة.
والأشعرية لما قالوا : بفضل بني آدم على الملائكة تأولوا الآية بأنه أراد بالأكثر الجميع ، فوضع موضع الكل ، كقوله تعالى : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٣] وفي ذلك تعسف.
وأما التخصيص بالحديث فقد قيل : هو محتمل للتأويل ؛ لأنه يحتمل أنه أراد نجاسة لا تطهر بالغسل كالكافر ، وهذا يطهر بالغسل على قول (١) ، وأما التخصيص بالقياس على الشهيد ، فقياس من غير جامع ؛ لأن علة طهارة الشهيد أن قتله في المعركة كغسله ، وقد ذكر طهارة الشهيد في شرح القاضي زيد ، وفي الانتصار ، وقد تقدم كلام أهل التفسير في قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) [البقرة : ١٥٤].
تكميل لهذا الفرع وهو أن يقال : إذا غسل الميت المؤمن فهل يطهر بالغسل على قول من يقول بنجاسته أم لا؟ قلنا : مذهب القاسم عليهالسلام ،
__________________
(١) وهو قول أبي يوسف ، فلا ينجس الماء بوقوعه فيه بعد غسله ، وأبو طالب قال : بعد الغسل يطهر حكما لأجل الصلاة عليه (غيث معنى).