وأراد آخر أن يوصي فسألته : كم مالك؟ قال : ثلاثة آلاف ، قالت : فكم عيالك؟ قال : أربعة. قالت : إنما قال الله : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) وإن هذا الشيئ يسير فاتركه لعيالك. ذكر هذا في الكشاف.
وقيل : إنه على قدر حال الرجل ، وقدر عوله ، وصححه القاضي ؛ لأن شخصا قد يوصف بأنه غني بقدر من المال ، ولا يوصف به آخر لكثرة الإنفاق
قال الحسن ، وعمرو بن عبيد : يكون للأقرب إليه ، وإن كان غنيا ، وعن ابن مسعود ، وواصل بن عطاء : للأحوج ، وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) أي : فرض ، وقوله تعالى : (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) يعني : أسباب الموت ، من مرض ونحوه ، عن أكثر العلماء.
وقال الأصم : فرض عليكم الوصية في حال الصحة ، أن تقولوا إذا حضرنا فافعلوا كذا ، واستحسنه الأمير بدر الدين محمد بن الهادي (١).
وقوله تعالى : (لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) أبو حنيفة يحتج بهذا وشبهه على أن الوالدين لا يدخلان في إطلاق القرابة ، من حيث أن المعطوف غير
__________________
(١) الأمير بدر الدين هو : محمد بن أحمد بن يحي بن يحي ، الأمير بدر الدين الهدوي ، الإمام العلامة ، كان هو وأخوه ممن يؤهل للإمامة ، وكان المنصور بالله يحثهما على القيام ، وكتب إليه :
يابن علي بن أبي طالب |
|
قم فانصر الحق على الباطل |
وكان الأمير بدر الدين أصغر من أخيه يحي ، حدث عن القاضي جعفر ، وقرأ عليه هو وأخوه يحي جميع العلوم ، وعنهما الشيخ محي الدين ، وغيره ، وكانا أفضل أهل زمانهما علما وعملا ، روي أن المنصور بالله قال لهما : اعمرا لأولادكما ، فقالا : لا نلقى الله بعمارة قلعة يصبح اولادنا يظلمون الناس ، فقال : اعمرا ولكما قصدكما ، وعليهم فعلهم ، فأبيا فعمره المنصور بالله ، مات الأمير بدر الدين يوم الخميس في نصف رجب سنة ٦٠٦ ه بهجرة قطابر ، وقبره مشهور مزور ، وعمره ٨٥ سنة ، وله كرامات حكاها ولده الأمير الحافظ.