وفي هذه الجملة ثلاث مسائل خلافية :
الأولى : هل حكم الحاكم ينفذ باطنا وظاهرا ، أو لا ينفذ إلا في الظاهر؟ وهذا فيه تفصيل (١). أما ما وافق اجتهادا ، فإنه ينفذ في الباطن والظاهر ، وذلك وفاق بين من يقول : الآراء صائبة.
وأما في ابتداء الملك ، والحدود والقصاص ، فلا ينفذ في الباطن وفاقا.
وأما في العقود والفسوخ : فإذا حكم الحاكم بأن زيدا باع هذه الدار ، أو وهبها ، أو أقال ، أو أن فلانا تزوج فلانة ، أو طلق ، فإن هذا الحكم لا ينفذ في الباطن ، فلا يحل الثمن ، ولا المبيع للمحكوم له ، وكذا الزوجة ، وهذا قول عامة أهل البيت عليهمالسلام ، والشافعي استدلالا بهذه الآية.
ووجه الدلالة : أنه تعالى نهى أن يدلى إلى الحكام بالخصومة : أي : ترفع إليهم ليؤكل بذلك مال الغير.
وقيل : الإدلاء بمعنى : الرفع ، أي : لا ترفع الأموال إلى حكام السوء رشوة ، ليحكموا بالباطل.
ويؤيد هذا الخبر «أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال للخصمين : إنما أنا بشر مثلكم ، وأنتم تختصمون إليّ ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذن منه شيئا ، فإنما أقطع له قطعة من نار ، فبكيا ، وقال كل واحد منها : حقي لصاحبي. قال : اذهبا فتوخيا ، ثم استهما ، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه» هذا لفظ رواية الزمخشري. وقوله : «فتوخيا» أي : اطلبا رضاكما.
وروي عن شريح أنه كان يقول للخصوم : إن قضائي لا يبيح ما هو حرام عليكم ، وهذا عام.
__________________
(١) أما ظاهر الآية فيفيد أنه لا ينفذ باطنا. (ح / ص).