واعلم أن للعلماء رضي الله عنهم أقوالا في من تؤخذ منهم الجزية بعد اتفاقهم أنها تؤخذ من أهل الكتاب عربا أو عجما ، إلا قولا لبعض المالكية : إنها لا تؤخذ من قرشي ، سواء كان كتابيا أم لا.
فقال مالك ، وهو إطلاق الهادي عليهالسلام : إنها تؤخذ من كل كافر.
وقال الشافعي : لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب عربا ، أو عجما ، ومن المجوس. والذي صححه أبو العباس ، والأخوان لمذهب الهادي عليهالسلام كقول أبي حنيفة : أنها تؤخذ من أهل الكتاب عموما ، ومن غيرهم إن كانوا عجما ، لا إن كانوا عربا ، وليس لهم كتاب ، فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف.
وسبب الاختلاف : انه قد ورد في قوله تعالى في سورة براءة : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩] فأباح الجزية من أهل الكتاب وهذا مجمع عليه معلوم من الدين ، لم يخرج إلا قول من استثنى القرشي.
قال الشافعي : فلما خص أهل الكتاب بالجزية دل ذلك على أنها لا تؤخذ من غيرهم.
ويحمل قوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) وقوله تعالى في سورة التوبة : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة : ٥] على غير أهل الكتاب ، وهذا ترتيب مذهب الشافعي في كيفية استدلاله ، وأما ترتيب ظاهر كلام الهادي عليهالسلام ، ومالك : من أنها تؤخذ من كل مشرك ؛ لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقول لأمراء السرايا حين كان يبعثهم إلى مشركي العرب ، ومعلوم أنهم لم يكونوا أهل كتاب : «فإذا لقيت عدوك فادعهم إلى ثلاث خصال ، فأيتهن