وقد يقال : أحصر إذا منعه أمر من خوف ، أو مرض ، أو عجز ، قال تعالى : (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [البقرة : ٢٧٣] وقال ابن ميادة :
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت |
|
عليك ولكن أحصرتك شغول |
يعني : أن الهجر إنما هو الصدود عن اختيار لا لأمر شاغل.
قالوا : هو يفرق بين فعل ، وأفعل ، ففعل إذا أوقع فعلا من الأفعال بغيره ، وأما أفعل فهو إذا عرّضه لوقوع ذلك الفعل ، يقال : قتله إذا فعل به فعل القتل
وأقتله إذا عرضه للقتل (١).
فإذا كان هذا هكذا فأحصر أحق بالعدو ، وحصر أحق بالمرض ؛ لأن العدو إنما عرض للإحصار ، والمرض هو فاعل الاحصار.
القول الثالث : أن الآية تفيد الحصر بالمرض ، وإنما يلحق العدو قياسا ، وذلك لأن أحصره للمرض ، أو ذهاب النفقة ، وحصره للعدو ، وقال تعالى : (وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ) [التوبة : ٥] وهذا قول أكثر أهل اللغة من أبي عبيدة ، والكسائي ، والزجاج ، قالوا : وإنما ذكر الله تعالى المرض بعد ذلك ؛ لأنه صنفان ـ صنف محصر به ، وصنف غير محصر به ، وهو الذي لا يمنعه من وصول البيت وذكر الأمن المراد به من المرض.
قال الحاكم : وقد أنكر أهل اللغة على الشافعي لما قال : لا حصر إلا بالعدو.
__________________
(١) قد يقال : المعرض للشيء سبب في ذلك الشيء ، ولا شك أن كل واحد من المرض والعدو سبب في المنع ، وعلة له ، ويصح أن يعبر عن كل واحد منهما بأنه مانع عن الحج ، فثبت أن كل واحد معرض للإحصار ، وفاعل للإحصار من غير فرق ، والله أعلم ـ تمت سيد الحسين. (ح / ص).