قيل : إن هذا مجاز ، ومدعيه عليه الدليل ، أجيب بأن قوله : (فَمَنْ) شرط ، وقوله (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) جزاء ، والاستثناء يرجع إلى الجزاء دون الشرط ، كقول القائل : «من دخل الدار فأعطه درهما إلا فلانا» فإن الاستثناء يرجع إلى الجزاء ، وهو العطاء.
قالوا (١) : ولأن أبا حنيفة يقول : الاستثناء يرجع إلى ما يليه ، والذي يليه الجزاء.
__________________
(١) في هذا الجواب نظر ، والنظر في قوله (قالوا : ولأن أبا حنيفة ..) الخ لأنه يقول برجوع الاستثناء إلى ما يليه من الجمل التامة ، والجزاء ليس بتام ، ويؤيد ذلك ما قاله في تفسير النيسابوري ، عن أبي حنيفة وأصحابه : إن ذلك إشارة إلى التمتع وما يترتب عليه ؛ لأنه ليس البعض أولى من من البعض ، فيعود إلى كل ما تقدم ، ولا متعة ولا قران لحاضر المسجد الحرام. اه فلو كان الخبر جملة تامة لما خالف أبو حنيفة أصله في رجوع الاستثناء إلى القريب ، وأما أول الجواب فصحيح ، وإن كانت عبارته قاصرة عن إفادة المرام ، ومعنى رجوعه إلى الجزاء نفي الجزاء عن المستثنى إن حصل الشرط ، فقولك : من دخل الدار فاعطه درهما إلا فلانا ، معناه لا تعط الفلان إن دخل الدار ، فيكون معنى الآية من تمتع فعليه الهدي إلا الحاضر ، فيكون المراد والمفهوم من الآية أن الحاضر لا هدي عليه إن تمتع ، وهذا عين مذهب الشافعي ، ويمكن أن يقال : الخطاب مقصور على غير الحاضرين ، لأن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه كانوا وقت نزول الآية غير حاضرين بنزولها عام الحديبية ، فبين فيها حكم الآفاقي ، وماله ، وما عليه ، ثم قال بعد ذلك (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) دفعا لما عساه يتوهم أن هذه الأحكام تعم الأمة ، خصوصا مع قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم (حكمي على الواحد حكمي على الجماعة) ولو كان الحاضر داخلا لما عدل من لفظ واحد موضوع للإخراج إلى ألفاظ متعددة غير موضوعة له ، فجيء بتلك الألفاظ لكون المقام غير مقام الاستثناء ، على أنا لو سلمنا دخول الحاضرين فيما سبق ، وأن تلك الألفاظ بمثابة حرف الاستثناء ، لكان العدول عن حرف الاستثناء ، والإتيان باسم الإشارة الموضوع للبعيد للدلالة على أن المخرج عنه الحكم البعيد المستتبع لما بعده من وجوب الهدي على الواحد ، ووجوب الصوم على غير الواجد ، إذ لو جيء بحرف الاستثناء لتبادر الإخراج عن الحكم ـ