تعالى في سورة التوبة : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] وأما في الحرم فقد تقدم أن من بدأنا بالقتال فيه جاز قتاله ، ومن لم يبدأ فالخلاف المتقدم.
الحكم الثاني : مأخوذ من المفهوم أن للوقت والمكان تأثيرا في كبر المعصية.
قال الحاكم : ولذلك قلنا : إن الزنى في المسجد أعظم ، وربما يبلغ الكفر إذا قارنه الاستخفاف بالدين.
وقد قال المؤيد بالله ، والإمام يحي عليهالسلام والحنفية : إن قتال البغاة أفضل من قتال الكفار ؛ لأنهم عصوا في دار رب العالمين ، والكفار في دار الحرب ، فأشبه ذلك المعصية في المسجد ، والمعصية خارج المسجد ، وهذا يستقيم مع اتحاد صورة المعصية ، أما لو اختلف كالتقبيل في المسجد ، والزنا خارج المسجد ونحو ذلك لم تزد معصية المسجد ، ومعصية الكفر أبلغ من معصية الفسق (١).
الحكم الثالث : يتعلق بقوله تعالى : (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) وله دلالة منطوقة ، ودلالة مفهومة.
فالمنطوقة أن من مات على ردته حبط عمله ، ولا إشكال في ذلك. وأما لو تاب ومات مسلما ، فالمفهوم أن العمل لا يحبط.
فإن فسر الإحباط ببطلان الثواب فهذا يطابق قول الناصر عليهالسلام : إن الثواب الذي أحبطته الكبيرة يعود بالتوبة (٢).
__________________
(١) يقال : هذا جلي إن قوتلوا لأجل ارتكاب المعصية ، وأما لو كان قتالهم لأجل قتالهم المحقين وبغيهم عليهم ، فلا يبعد أن مضرة الباغي المتوسط لبلاد الإسلام أضر من قتال الكافر البارح عنها.
(٢) أي : الاستحقاق ، وهو المقرر عند الأصوليين ، غير الكفر ، وأما فيه فتصير الطاعة كلا طاعة.