أمتي الخطأ والنسيان) (١) فظاهره يدل على رفع حصول الخطأ والنسيان ، والمقصود رفع حكمها لا وجودهما (٢).
وأما الصحة العقلية : فمثل قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢].
والمراد : واسأل أهل القرية ، وكذلك قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣] فلا بد من تقدير لفظ الوطء ، فيكون المعنى : حرم عليكم وطء أمهاتكم ، وإنما كان كذلك لأن الأمهات عبارة عن الأعيان ، والأحكام لا يعقل تعلقها بالأعيان ، إنما تعلق بأفعال المكلفين ، فاقتضى اللفظ فعلا ، وصار ذلك الفعل هو الوطء من بين سائر الأفعال ، لعرف الإستعمال ، وكذلك قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] و (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) [المائدة : ١] أي الأكل (٣).
وأما الصحة الشرعية : فكقول القائل لغيره : اعتق عبدك عني على ألف ، فإن العتق فرع على الملك ، وكذا لو حلف ليعتقن عبدا ، وذلك العبد لغيره ، فإن البر يستلزم تملكه ثم يعتقه ، ومثل قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٤] تقديره فأفطر ، وقوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة : ١٩٦] تقديره : فحلق.
قال الغزالي : ويجوز أن يلقب هذا بالإضمار ، ومن هذا قوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : ٦٣] معناه :
__________________
(١) الحديث معروف مشهور بلفظ (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان) أخرجه ابن ماجه ١ / ٦٥٩ ، والدارقطني ٤ / ١٧٠ ، وابن حبان ١٦ / ٢٠٢ ، والحاكم ٢ / ٢١٦ ، والطبراني في الصغير ٢ / ٥٢. (حاشية الفصول ٢٠٠).
(٢) في نسخة (لوجودهما).
(٣) في حاشية الأصول (الأولى أن يقال : التناول).