ومقاماته الّتي لا تعطيل لها في كلّ مكان يعرفه بها من عرفه لا فرق بينه وبينهم إلّا أنّهم عباده وخلقه فإنّهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
ثمّ إنّ سبل الذين أنعم الله عليهم من هؤلاء المعدودين وإن كانت بمختلفة جدّا لاختلاف مراتب القبول الّتي يختلف بها الوصول لكنّ المسؤول هو النوع الّذي لأفرادها عرض عريض جدّا حتّى أنّ الهداية اللائقة بشخص واحد خاصّ من حيث الاستعداد والقبول لها جزئيّات مختلفة من حيث خصوصيّات الأزمان والأحوال ، ومن هنا يسقط ما لو ربّما توهّم من أنّه كيف يصحّ سؤال الصراط المبهم وسؤال ما لا ينال قطعا إذ مع أن سبيل كلّ واحد لا يتعدّاه لا ريب أنّ سبيل الأنبياء والأوصياء المخصوصين بالعصمة على اختلاف مراتبها لا يتعدّاهم إلى غيرهم ، ومع فرضه فمن البيّن أنّه لا يناله كلّ أحد ممّن امر بهذا الطلب في كلّ صلوة وغيرها.
ثم إنّه قد ظهر من جميع ما مرّ أنّ النعمة التي منّ الله تعالى بها عليهم هو نفس هدايتهم إلى الصراط المستقيم ، أو نفس الصراط على بعض الوجوه ، فكأنّه جعل المقصد الصراط الذي هو النعمة العظمى : منه سبحانه على جميع المؤمنين والشهداء والصالحين بل الأنبياء والمرسلين ولذا جمعهم في الهداية مع الامتنان عليهم بالنعمة في الآية بل في صريح الآية المتقدّمة وفي قوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (١) ، وإن لم يصرّح بالصراط لأنّ الآية في حقّه وفي يوم نصبه ، وفي قوله تعالى : خطابا لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢) وإتمام النعمة عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم بجعل وصيّه بابه وحجابه ليتمّ بولايته نبوّته من حيث التبليغ والإرشاد وهداية الخلق.
وأمّا هدايته إلى الصراط المستقيم فإمّا باعتبار نيل ذلك المقام الذي به إتمام
__________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) الفتح : ٢.