ارجاء الطبيعة ، ولهذا فهم يجتهدون غاية الاجتهاد لاكتشاف النواميس والقوانين الحاكمة في الطبيعة للانتفاع بها في الحياة البشرية ، ولو لم يكن عندهم مثل هذا الاعتقاد لما تجشموا عناء الفحص والاختبار والتحقيق ، اذ لا معنى لذلك لو كان العالم في نظرهم فوضى لا نظام له ولا قانون.
ولا يحصل مثل هذا الاعتقاد القطعي بوجود النظم الا بعد الاعتقاد بدخالة الشعور والعقل والقصد في تكون النظام الكوني ، فلولا هذا الاعتقاد لما أمكن أن يدعي العالم الفاحص القطع بوجود النظام في الكون ، ولهذا قلنا فيما مضان المادي المنكر للصانع الحكيم بلسانه ، مؤمن بذلك بوجدانه وضميره اذ لا شك أن المادي والالهي يقفان على صعيد واحد من حيث الاعتقاد بسيادة النظم في هذا الكون ، ولهذا يتساويان في الفحص عن الضوابط والنواميس الطبيعية ، وهذا يعني انهما يعتقد ان قبل ذلك بوجود تلك الأنظمة والنوامیس ، والا لما كان لبحثهم وتحقيقهم مبرر ، ولا يصح الاعتقاد القطعي بوجود النظم الابعد الاعتقاد بد خالة الشعور والقصد في تكون العالم ولولا الاعتقاد الأخير لما امكن للباحث أن يدعي القطع بوجود النظم فان الاعتقاد بالتصادف لا ينتج القطع بالنظام بل أقصاه هو احتماله.
وبتعبير آخر أن السعي لاكتشاف النواميس والقوانين في الطبيعة ناشئ من القطع بوجود النظم في الكون وهو بدوره ناشئ من الاعتقاد بدخالة الشعور والقصد في ايجاده فهذا هو الذي دفع العالم الفاحص ـ مادياً كان أو الهياً ـ الى الايمان القطعي بسيادة النظام في الكون ، اذ ان الاعتقاد بدخالة التصادف في نشأة الكون لا يمكن أن يحمله على الاعتقاد بسيادة النظام فيه على وجه القطع ، لان القول بالتصادف لا يورث الاذعان بوجود النظام القطعي في العالم.