١ ـ التدين ظاهرة تاريخية عريقة :
من خلال النظر في حياة الشعوب وسلوكهم تجد أن التدين حالة عامة ، وان الانجذاب الى ما وراء الطبيعة ، والايمان باله قضية عالمية لا تختص بقوم دون قوم ولا تقتصر على عصر دون عصر.
فلو تعمقنا في التاريخ البشري ، وجدنا لدى البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ما يدل على أنهم كانوا يعتقدون بوجود اله لهذا الكون يرتبط بحياتهم وسائر شؤونهم ، ويظهرون هذا الاعتقاد في صور مختلفة ، وممارسات متنوعة تجلت في آدابهم وفنونهم وتقاليدهم ، كما تشهد بذلك آثارهم وبقايا حضاراتهم وما عثر عليه في الحفريات من مخلفاتهم.
وهم وان كانوا يختلفون في تصوير الاله الذي يجمعون على الاعتقاد به الا أن نفس اتفاقهم على أصل هذا الأمر واجماعهم في هذا الاعتقاد ينبئ عن ان هذا الميل الى الاعتقاد ، بل وهذا الاعتقاد بوجود الله كان متفقاً عليه بين أبناء البشر ، وموجوداً بينهم منذ أن شعروا بأنفسهم ، وقدروا على ضبط تفكيراتهم وهو بدوره يدل على أصالة الاعتقاد بالله وفطرية الايمان به ، وان كان هذا الاعتقاد ممزوجاً في بعض الأحيان بعض الأوهام والخرافات والتصورات الباطلة.
وقد أيد العلماء والمهتمون بدراسة الحضارات وأحوال الشعوب هذه الحقيقة الساطعة ، وأعلنوا عن تجذر التدين ، وفطرية الايمان الديني لدى الانسان بكلمات وعبارات مختلفة ، واضحة ، صريحة ، وها نحن نكتفي هنا بذكر بعض النماذج منها على سبيل المثال لا الحصر :
يقول جان ـ رـ ایورث (الاستاذ في جامعة كلمبیا) : «لا يمكن (أو يستحيل)