٢ ـ «نظرية الجهل بالعمل الطبيعية»
لقد عمد بعض الماديين في تعليل نشوء الاعتقاد بوجود الله الى فرضية اخرى وهي : ان الانسان البدائي عندما واجه الحوادث الطبيعية كالزلازل والسيول والكسوف والخسوف ، التي تحيط به ولم يعرف عللها الطبيعية الواقعية لجأ لجهله الى اختراع فاعل لها واعتبره العلة الوحيدة لكل شيء مباشرة ، وكلما تكامل فكرياً ، واستطاع من خلال اكتشافاته وتحليلاته ان يقف على السبب الطبيعي المادي لكل حادثة ، اسند كل ظاهرة الى عاملها الطبيعي الحقيقي وتخلى عن اسنادها الى تلك «القوة الوحيدة» وهكذا كان الاعتقاد بوجود الله وليد الجهل باسباب الحوادث الكونية الطبيعية.
وفي هذا قال ويل ديورانت : «تعاونت عدة عوامل على خلق العقيدة الدينية منها الدهشة لما يسبب الحوادث التي تأتي مصادفة أو الأحداث التي ليس في مقدور الانسان فهمها» (١).
وقال بعض علماء الاجتماع : أن العلم وان وقف على جملة من علل الحوادث الا انه لازالت هناك حوادث لم تقع في اطار هذا العلم ، ولازالت تعاني من الابهام والغموض وهذا هو الذي سبب نشوء العقيدة الدينية.
ولو أردنا أن نشرح هذه الفرضية ـ كما شرحها بعض الماركسيين ـ لقلنا بأن الانسان المادي عندما كان يرى نزول المطر ، وقطع الثلج بأشكالها الهندسية المسدسة ، وكان يسمع الرعد ويرى البرق ويتعرض للملاريا التي كانت تهاجمه بين الفينة والأخرى ، ولم يعرف أسبابها الطبيعية ـ التي كشف عنها العلم فيما بعد ـ عمد الى افتعال علة لها من لدن نفسه ، وأسند اليها جميع تلك الطوارىء
__________________
(١) قصة الحضارة لویل دورانت ج ١ ص ١.