٥ ـ نظرية توارث العقيدة
ذهب جماعة ـ ممن لم يرتضوا النظريات السابقة ـ الى نظرية جديدة في تفسیر وجود العقيدة الدينية في الحياة البشرية ملخصها : أن العقيدة الدينية أمر فكري ورثته الاجيال اللاحقة من الأجيال السابقة حتى وصلت الى عصرنا الحاضر ، وبهذا أراح أصحاب هذه النظرية أنفسهم ، وظنوا بأنهم اهتدوا الى تحليل سلیم في هذا المجال.
والجواب : أن هذه النظرية كسابقاتها ـ في غاية الضعف والبطلان لوجوه نذكرها فيما يلي :
أولا : أن غاية ما تفيده ، وتثبته هذه النظرية ـ على فرض صحتها ـ هو أنّ علة انتقال العقيدة من الأجيال السابقة إلى اللاحقة ، وتواجدها في جميع العصور هو «التوارث الفكري» وهو أمر آخر لا يرتبط ببحثنا الحاضر المنعقد حول تفسیر «نشوء العقيدة الدينية» أساساً.
فما ذكروه يعلل وجود العقيدة الدينية في الأجيال المتلاحقة ، لا نشوء العقيدة ابتداءاً. اذن فصاحب هذه النظرية لم يأت بشيء جديد في هذا المجال.
* * *
ثانياً : ان سريان العقيدة الدينية وسيادتها في جميع أبناء البشر وفي جميع الأجيال يكشف عن ان العقيدة الدينية من الامور الملازمة للروح والفكر البشري بحيث لا يعقل انفكاكها عنهما ، فهي تماماً مثل الاكل والشرب والملبس وغيرها من الفعاليات والحاجات الجسدية التي لا تفارق البشر ولا تنفك عنهم.
ومثل هذا الحضور الدائم للعقيدة الدينية في الفكر البشري والحياة العقلية الانسانية منذ العصر الحجري والى عصر الفضاء هذا يكشف عن واقعية هذا