والانسان هو الذي يضفي على هذه الأمواج أوصافاً وألواناً ويحدد لها تواریخ ويعطيها تعينات ومعاني ، ثم يقضي بنفسه بان هذا منظّم ، وذاك غير منظّم ، ولو لا هذا الانسان لكان الكون بلا معنى ، ولا تحدیدات.
ونقول في الجواب على هذه الشبهة : أن هذا الاشكال مبني على أن صاحبه لا يرى العلم طريقاً وكاشفاً عن الواقع ، ويتصور أن الواقعيات وليدة الذهن البشري وهذا هو محط النزاع بين «المثاليين» و «الواقعيين» ، فان «المثاليين» الذين يعبر عنهم في الفلسفة الاسلامية بالسوفسطائيين لا يرون للعلم صفة الطريقية ، ولا يعتبرونه كاشفاً عن الخارج وذلك لانهم بين منكر للعالم بالمرة ، وبين شاك او مشك فيه.
وأما «الواقعيون» فهم يرون ان علم الانسان كاشف عن الواقعيات الثابتة خارج الذهن لا ان الواقع وليد العلم ، او نسج الذهن.
فالمثلث ، او الشمس البازغة ، أو الشجرة المثمرة التي نعلم بها ، ما هي ـ في الحقيقة ـ الا امور حقيقية موجودة في الواقع الخارجي ، بصرف النظر عن وجود الانسان وعن ذهنه وعلمه ، وقد توصل الانسان الى ادراكها عبر الاجهزة والأدوات التي زود بها بحيث لو لا الانسان ، ولو لا ادراكه لهذه الأمور والأشياء ، لكان لها واقعية ووجود خارجي ، وقف الانسان عليها ام لم يقف.
وبذلك يتبين ان الاشكال المذكور ، يقوم على مسلك المثاليين السوفسطائيين المرفوض في الأوساط العلمية ، فان الادعاء بان النظم السائد في الكون مما یدركه الانسان وحده بحيث لو انتفى وجود الانسان لما بقي للنظم مفهوم ولا واقع ، هو عین ما يدعيه المثاليون والسوفسطائيون ، اذ ما الفرق بين ادراك «وجود» الشمس والقمر والشجر ، وادراك «الاتصال الوثيق والتعاون العميق بين اجزاء الظاهرة المادية لتحقيق هدف معين»؟
افهل يمكن ان يتفوه عاقل بنفي وجود القمر والشمس والشجر ويقول بانه