هذا وللبحث حول ادوات المعرفة من حيث الكمية والكيفية ومدى النتائج مجال آخر هو ابحاث نظرية المعرفة.
ولكي تزداد وقوفاً على بطلان هذا المذهب المادي الذي يرفض كل شيء غير المادة ، يتعين علينا أن نشير الى بعض النوافذ المطلة على عالم الغيب والتي جعلها الله سبحانه في حوزة البشر ومتناول كل انسان ليتمكن عن طريقها أن يرفع جهله بذلك العالم الغائب عن حسّه. وهي كثيرة ـ في الحقيقة ـ ولكننا نكتفي هنا بالاشارة الى بعضها مع شيء من التفصيل الذي يناسب هذا الكتاب.
انقسام الوجود الى المادي والمجرد
لا ريب ان الانسان الذي يعيش في عالم المادة يجد نفسه محاصراً باطارها وجدرانها حتى انه ليتصور ـ في بادىء النظر ـ ان الوجود ينحصر في المادة حسب ، ولكن الأدلة العقلية والتجريبية تثبت أن الوجود لا ينحصر في المادة والطاقة بل هو اوسع نطاقاً منهما فالوجود ـ حسب الحقيقة والواقع ـ ينقسم الى نوعين : الوجود المادي ، والوجود المجرد.
وقد أشير الى كلا القسمين في كتاب الله العزيز وسمّيا بعالمي الغيب والشهادة.
فالمحسوس منهما هو عالم الشهادة لكونه قابلا للشهود بالحواس.
والخارج عن اطار الحس هو عالم الغيب لكونه غائباً عنه (١).
__________________
(١) ان تقسيم الوجود الى الشهادة والغيب انما هو بالنسبة الى الانسان المحدود وأما بالنسبة إلى الله سبحانه فالكل شهود له ، ولا يغيب عن وجوده شیء قال سبحانه «لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض» (سبأ ـ ٣) وسيأتيك تفصيل ذلك في الاجزاء التالية من هذه المجموعة.