الامر اذ لا يمكن ان يكون لشيء ما مثل ذلك الحضور الشامل لولا كونه كذلك.
* * *
القرآن ونظرية توارث العقيدة
قد عرفت ان صاحب هذه النظرية يعتبر الاعتقاد بالله امراً خرافياً ورثته الأجيال اللاحقة من السابقة.
وقد عرفت ـ في ما مضی ـ ان هذه النظرية ـ مضافاً الى وهنها وضعفها ـ لا تفي حتى بنفس مقصود القائل فان البحث ـ في المقام ـ انما هو في التعرف على علة نشوء العقيدة الدينية اساساً ، وهو بعد لم يأت بشيء ذي بال في هذا المجال.
غير اننا اذا رجعنا إلى القرآن لرأينا أن الأنبياء الذين كانوا في الرعيل الأول من الدعاة إلى الله يصرون اشد الاصرار على انه ليس لبشر عاقل ان يقتص آثار الأمم السالفة من دون تمحيص لها أو تحقيق ، ومن دون أن تكون مقرونة بالدليل والبرهان اذ يقول :
وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (الزخرف ـ ٢٣ ـ ٢٤) (١)
والعجب من قائل هذه النظرية أن يكرر نفس المقالة ويعتبر الدعوة الى الله
__________________
(١) وقد ورد هذا المضمون في آيات اخرى هي الأعراف ـ ٢٨ ، والانبیاء ٥٣ و ٥٤ والشعراه ٧٤ ـ ٧٦ ولقمان ـ ٢١.
وقد تكررت لفظة البينة في القرآن الكريم اكثر من ٧٠ مرة تقريباً.