الالهي يسند هذا النظام (اي نظام الأسباب والمسبّبات المادية الطبيعية) في نشوئه بقائه إلى خالق ، حكیم ، قدير ، أوجد هذه السنن والقوانين بقدرته المطلقة وبعلمه الواسع الذي نعبر عنه بالمحاسبة الدقيقة ، بينما يسندها المادي الى الصدفة. أو يدعي بان انفجارات المادة غير المتناهية هي التي أدت إلى ظهور وتكون هذه النظم ، وكان هذا هو ما عليه الماديون في سالف الزمان.
بيد أنهم ـ لتهافت هذه الفرضية أمام الأدلة القاطعة ـ انتقلوا إلى فرضية أخرى هي فرضية «خاصية المادة» وتعني ان هذه الأنظمة والقوانين هي من خصائص المادة أي أن المادة بطبعها تقتضي هذا النظام ، وان هذا النظام هو خاصية هذا العالم المادي ، وهي نظرية مرفوضة وستعرف بطلانها في البحوث القادمة.
هذا كله عن الأمر الأول وهو بيان نقاط الاشتراك والتمايز والالتقاء والافتراق بين الالهي والمادي.
الثاني : بماذا ميز فعل الصدفة عن فعل الفاعل الحكيم :
ما هو الميزان الثالث والمعقول للتمييز بين الحوادث المستندة إلى الصدفة ، والمستندة الى التدبير؟
وبعبارة أخری كیف نميز بين نتيجة الصدفة وحاصلها وفعل التدبير وصنعه؟
ان علينا أن نقف أولا على الميزان الذي تميز به بين هذين النوعين من الحوادث والظواهر حتى نعرف ـ بعد ذلك ـ هل تكون هذه الأنظمة البديعة وليدة تدبیر حكیم. او انها وليدة التصادف والاتفاق؟
الحق أن آلاف التجارب اثبتت ان كل فعل يتسم بالنظام بالمعنى الذي مر (١) ويخضع لمقاييس وحسابات دقيقة بحيث يقع كل شيء في مكانه المناسب ،
__________________
(١) في صفحة ١٥٧ من هذا الكتاب ومجمله كون مجموعة من الأجزاء على نحو من