كذلك التجربة الحسية فاتها وسيلة لمعرفة وجود وخصائص كل ما هو مادي فحسب ، ولا يمكن التعرف بها على ما هو ليس بمادي.
وعلى ذلك فكون الموجود غير الطبيعي خارجاً عن اطار التجربة لا يكون دليلا على ان الاصالة للمادة وانه لا خبر ولا أثر عن غيرها ولا وجود له ابداً.
* * *
ثانياً : ان الأصل الأول ليس أمراً تجربياً حيث ان مفاده (وهو ان كل ما أثبتته التجربة فهو مقبول وكلّ ما لم تثبته التجربة فهو مرفوض) امر غير تجربي ، فكيف قبل المادي هذا الأصل مع انه غير مجرب؟.
أليس اعتراف المادي بهذا الأصل (مع انه غير مجرب) يعني القبول بأن أدوات المعرفة لا تنحصر في التجربة والا لما أمكن له قبول هذا الأصل الذي لم يجرب ولن يخضع للتجربة أبداً.
* * *
ثالثاً : ان القبول بالاصل الثاني ينقض الأصل الأول ويقضي عليه ، فان انحصار الوجود في المادة ونفي ما سواها أمر لم يقع في اطار التجربة لماعرفت من أن التجربة انما يصح حكمها وقضاؤها في المجال المادي فحسب.
وبعبارة أوضح : ان قضية «لا شيء في الوجود سوى المادة» ليست أمراً تجربياً ، ليثبت صدقها وصحتها بالتجربة اذ لا يمكن بالتجربة الحسية أن نجرب أن هذا الشيء غير المادي موجود أولا ، فقبول هذا الأصل (أعني أصل : لا شيء في الوجود سوى المادة) ينقض انحصار ادوات المعرفة.
وتلخص أن الأصل الاول ينتقض بنفسه مرة وبقبول الأصل الثاني مرة أخرى.
هذه الإشكالات وغيرها تكشف عن أن الماديين يواجهون أسئلة محرجة ، واعتراضات عديدة على مسلكهم لا جواب لهم عليها ، وهو يعني ـ بكلمة واحدة ـ آن منهجهم المادي غير قادر على الوقوف والثبات أمام المناقشة والنقد والتحليل.