وبين الاصلين ـ في نظر الماديين ـ تلازم ، وترتب ، فان القبول بالاصل الاول (وهو ان الوسيلة الوحيدة للمعرفة والعلم تنحصر في التجربة الحسية) يستلزم ـ عندهم ـ الاصل الثاني وهو اصالة المادة (بمعنى انه لا شيء في الوجود سوى المادة أو الطاقة المتحولة عنها).
بيد أن هذا الكلام باطل مقدمة ونتيجة وذلك لامور هي :
أولا : انه لا يمكن استنتاج الاصل الثاني من الأصل الأول ، لان للتجربة حق الاثبات في مجال الأمور الطبيعية ، وليس لها حق النفي في المجالات الأخرى. وتوضيحه هو : ان التجربة تتعلق بالأمور المادية خاصة ، واما ما هو خارج عن مجال المادة فلا يقع في اطار التجربة حتى تكون التجربة دليلا على عدمها.
فلو جربنا شيئاً بأدوات التجربة المختلفة المستخدمة في مجال الامور الطبيعية فلم نجد له أثراً في ذلك المجال فان أقصى ما تعطيه التجربة هو ان الشيء الذي نحن بصدد اثباته ليس موجوداً مادياً ، وأما انه ليس بموجود على وجه الاطلاق حتى في غير ذلك المجال فلا تفيده التجربة ابداً ، وهذا هو شأن كل اداة لها مجال استخدام خاص.
ولتوضيح هذا الامر تأتي بالمثال التالي :
لو اننا أدخلنا قطعة من «المغناطيس» تحت التراب ثم أخرجناها وقد علقت بها ذرات من الحديد فان هذه العملية تخبرنا عن وجود الحديد في هذه النقطة من الأرض أو عدمه خاصة ، ولا يمكنها أن تنفي وجود غیر الحديد من المعادن كالكبريت والفحم وغيرهما لان لاكتشاف كل شيء اداته المناسبة ، ولما كان الحديد دون غيره هو الذي يعلق بحجر المغناطيس ، فان هذا الحجر أداة لمعرفة وجود الحديد وعدمه خاصة.