فكان البعث الواحد بعثا وزجرا ، بعثا نحو المطلوب وزجرا عن نقيض المطلوب.
ومنه يظهر أنّ العينيّة من الطرفين وأنّ النهي عن الضدّ أيضا عين الأمر بالشيء.
وجوابه : أنّا نمنع كون الشيء عين ترك تركه ، وكيف يكون كذلك مع أنّ ترك الترك أمر عدمي والوجود لا يصير مصداقا للعدم؟!
وقد أنكر الأستاذ العلّامة العينيّة في المقام (١) مع اعترافه بها عند ذكر ثمرة القول بالمقدّمة الموصلة (٢).
وأمّا الاقتضاء بمعنى الجزئيّة فبيانه أنّ معنى الأمر هو طلب الفعل مع المنع من الترك فكان المنع من الترك جزء معنى الأمر.
وجوابه : منع الجزئيّة وأنّ الطلب بسيط غير مركّب ، والإيجاب من العقل في موضوع طلب المولى.
وأمّا الاقتضاء بمعنى الملازمة فبيانه أنّ وجود كلّ شيء ملازم لارتفاع نقيضه فكان طلبه ملازما لطلب رفع نقيضه.
وفيه : منع استلزام الملازمة بين أمرين الملازمة بين طلبيهما. فيجوز أن يكون أحدهما محكوما بحكم ولا يكون الآخر محكوما بذلك الحكم.
نعم ، لا يجوز أن يكون محكوما بحكم يلزم منه التكليف بالمحال كأن يوجب أحد المتلازمين ويحرّم الآخر.
وأمّا الاقتضاء بمعنى الاستلزام ـ وهو الظاهر من كلمة الاقتضاء ـ فبيانه أنّ حبّ الشيء لازمه بغض تركه ، فكما أنّ الحبّ للشيء يؤثّر في طلبه كذلك البغض لشيء يؤثّر في النهي عنه ، فكان لازم الأمر بالشيء النهي عن ضدّه.
وجوابه : منع استلزام حبّ الشيء بغض تركه. نعم ، لا يكون تركه محبوبا ، لا أنّه يكون مبغوضا. وإذا ترك فقد ترك المحبوب لا أنّه أتى بالمبغوض. فليس في موارد الحبّ لشيء أمران : الحبّ له ، والبغض لنقيضه ، كي يستتبع طلبين أمرا ونهيا ، بل حبّ فقط وعلى طبقه
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٣٣.
(٢) كفاية الأصول : ١٢١.