فلا يتوهّمن من عقد هذا البحث أنّ اعتبار تحقّق المبدأ في المشتقّ من المتسالم عليه ، وإنّما البحث في اعتبار فعليّته مقابل انقضائه ، فإنّ تحقّق الذات غير معتبر فضلا عن تحقّق المبدأ ، فمثل : «شاعر» و «عالم» حقيقة في الذات صاحبة المبدأ وإن لم يكن في الخارج ذات ولا مبدأ ، فلو استعملنا اللفظ في الذات الكذائيّة فقد استعملناه في حقيقته ، وكذلك «السمّ القاتل» و «السيف القاطع» حقيقتان في معناهما وإن لم يكن قتل ولا قطع ، بل ولا سمّ ولا سيف.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المعتبر في مفهوم المشتقّ هو الذات متخصّصا بالمبدإ بضرب من التخصّص ، ولا بدّ أن يكون هذا التخصّص فعليّا مقابل عدمه ، يعني أنّ معنى المشتقّ ليس هو الذات اللابشرط عن هذا التخصّص ، وإن حصل فيه التخصّص ومضى كما يقوله القائل بالأعم ؛ نعم ، هذا التخصّص قد يكون في الخارج بلا دخل كونه الخارجي في مفهوم اللفظ ، وقد يكون في مرتبة الذات بلا تنزّل إلى الخارج من غير دخل هذا أيضا في المفهوم ، بل المفهوم خلو عن الخصوصيّتين ، وينطبق على المتخصّص بكلّ من نحوي الخصوصيّتين ، ومنشأ طلوع التخصّص الخارجي في أفق المشتقّ هو جعل المادّة والمبدأ المأخوذة تحت الهيئة الاشتقاقيّة حاكية عن مبدأ خارجي ومطلقا لها على مبدأ خارجي ، فيأتي من ذلك التلبّس الخارجي ؛ حيث إنّ التخصّص بأمر خارجي لا يكون إلّا في الخارج.
فلولا ذلك وكان المبدأ على صرافة معناه ـ بلا إطلاقه على الخارجيّات ـ لم يكن يفهم من المشتقّ التلبّس الخارجي ، ولم يزد مؤدّاه على التلبّس في جوهر الذات كما في «السمّ القاتل» و «السيف القاطع» وكذلك الكاتب والضاحك إن أريد من مبدئهما طبيعة الكتابة والضحك ؛ وإن أريد من مبدئهما الكتابة والضحك الخارجيّين كان معناهما لا محالة المتلبّس بالكتابة والضحك في الخارج.
فمعنى المشتقّ هو خصوص المتلبّس ، لكن لا تلبّسا ثابتا في الخارج فإذا دلّ الدليل على عدم جواز السجود على كلّ مأكول وملبوس قلنا بعدم جواز السجود على كلّ ما كان مسلّما للأكل واللبس في المتعارف غير شارد عنهما بل قابل حامل لهما ، بلا اعتبار أكل خارجي فعلي أو لبس كذلك.
فصحّ أن يقال : إنّ المشتقّ حقيقة في ما يعمّ المتلبّس وغير المتلبّس رأسا حتّى في