معرّفا للمقصود الخاصّ لكمال سماجة تخصيص العنوان مع عموم مناط الظهور. وهذا هو الفارق بين المقام وبين العلوم العربيّة التي هي نفس العنوان العامّ بما هو عنوان عامّ مقصود بالبحث فيها. ويمكن إدراج البحث في الظهور في البحث عن وجود الحجّة ؛ لأنّ الحجّة في الحقيقة هي ظهور الكتاب والسنّة لا ذاتهما ليكون الظهور من عوارض الحجّة.
وممّا ذكرناه في الموضوع ظهر لك التعريف ، وأنّ علم الأصول هو العلم الباحث عن الحجّة على الحكم الشرعي الفرعي. وهذا عامّ يشمل كلّ المسائل المدوّنة في الأصول بلا استطراد شيء حسبما بيّنّاه ، كما أنّه خاصّ يخرج عنه غيره من العلوم المقدّميّة للفقه ؛ إذ البحث فيها عن عنوان عامّ بعض جزئيّاته هو الحجّة كالعلوم العربيّة ، أو عن مبادئ الحجّة كعلم الرجال ، أو عن كيفيّة الاستدلال وترتيب القياس كعلم الميزان.
جهة امتياز العلوم
امتياز العلوم إمّا بالموضوع أو بالمحمول أو بكليهما ؛ لأنّ ذلك لازم اتّحاد العلم مع القضايا المدوّنة فيها بعد امتياز قضيّتين إمّا بالموضوع أو بالمحمول أو بكليهما إن كان ، ومع اتّحاد طرفي القضيّة كانت القضيّة قضيّة واحدة ، وفي المقام كان العلمان علما واحدا ؛ فإنّ المجموع يمتاز عن المجموع بما يمتاز به الآحاد عن الآحاد.
وقد عرفت أنّ موضوع علم الأصول هو الحجّة على الحكم الشرعي ، فهو بموضوعه ممتاز عن سائر ما عداه ؛ لعدم البحث في شيء من العلوم عن هذا الموضوع ، وإن عمّت أبحاثه ذلك لكن لا يبحث فيها عن ذلك بما هو حجّة ، كالبحث في العلوم العربيّة عن إعراب الكتاب والسنّة ، وكالبحث في المعقول عن اجتماع الأمر والنهي ، لكن بعنوان معقوليّة صدوره من المبدأ لا بعنوان وجود الحجّة ، وهو حكم العقل على جواز الاجتماع. وإحدى الحيثيّتين من شيء إذا كان موضوعا لعلم جاز جعل الحيثيّة الاخرى موضوعا لعلم آخر ، ولم يضرّه وحدة المتحيّث بالحيثيّتين واتّحاد المعنون بالعنوانين ؛ فإنّ المدار في الوحدة والتعدّد على وحدة العنوان وتعدّده.